السلام عليكم تحية أوجبها الإسلام عند اللقاء والانصراف، وهي من أبرز الوصايا التي حث القرآن الكريم والسنة النبوية على الالتزام بها، والتحلي بسماتها.
إن فكرة السلام يلزم لاعتناقها فهم عميق، وإدراك واضح لكُنهِهَا، وفتح العقول لفهم المعاني الكبيرة العظيمة المرتبطة بالسلام، ودوره في الحياة، وأثره الفاعل في الفرد والمجتمع.
***
السلام اسم من أسماء الله الحسنى لسلامته من العيب والنقص (اللهم أنت السلام ومنك السلام)، السلام هو أن يعيش الإنسان بهناءة وأمان واستقرار في مجتمع لا يتعدى فيه أحد على الحقوق، ولا يتجاوز الحدود ؛ فيذوق الناس طعم السعادة الحقيقية في تواصلهم وتراحمهم.. فالسلام اسم يطلق على حال الاستقرار والأمن، وسميت الجنة دار السلام (لهم دار السلام عند ربهم)، (والله يدعو إلى دار السلام) لأنها دار السلامة الدائمة التي لا تنقطع، ولا تفنى، وهي دار السلامة من الموت والهرم والأسقام، والهموم.
***
السلام هو السلم المنشودة لسعادة الإنسان، فكل الرسل والأنبياء دعوا إلى تحقيق السلام بين البشر والله تعالى يقول في محكم كتابه: (يأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة)، وليس السلام قاصراً على إيقاف التحارب بين الناس، ولكنه يشمل صوراً كثيرة من حياتنا، منها سلام الإنسان مع نفسه والآخرين، وعند الدخول والخروج. آيات كثيرة، وأحاديث نبوية عديدة، ومواقف عملية في سائر الحياة تؤكد لزوم السلام، بل إنه أهم ما يجب أن تكون عليه الحياة لتكون هناك إمكانات تحقيق كل شيء فيها بعد ذلك.
***
بالسلام والاطمئنان يعبد الإنسان الله بحق واستيفاء.. بالسلام يحيا المرء في وطنه دون قلق أو خوف من ظلم أو إرهاب يفاجئه، ويزعزع استقراره. إذ إن الحياة دون سلام ينتابها الخوف، ولهذا وصف الله نعمته على عباده بقوله تعالى: (أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف).
بالسلام تتعايش الأمم وتتلاقى، وتتطور المجتمعات وتزدهر فيها الحياة، ويعم الخير والرخاء - فالسلام يُنهي الحروب التي تأكل الأخضر واليابس، وما أشنع ذلك في الوقت المعاصر.
وحين يشعر الناس بالأمن والأمان يصلون إلي حقوقهم، وتسود العدالة بينهم، ويزول البغي والإرهاب من بين ظهرانيهم ؛ لأنه لا حاجة لهم للقتال والاحتراب، هم إلى السلام أحوج، وبالأمن والاستقرار أولى وأقرب.
***
الإسلام يطلب السلام ويحث عليه، لكنه يطلبه سلاماً عادلاً كاملاً شاملاً كل مناحي الحياة، فالسلام في الإسلام وحدة متكاملة، ونظام مترابط، والسلام والإسلام متشابهان في الحروف وفي المعنى - فبين الاسمين روابط كثيرة وصلات وثيقة، وأنه ليس أرضى للإسلام في شرعه من سلام ينشر جناحيه على الناس جميعاً، ليقيم حياتهم على بساط الأمن والمحبة والعدل، والنبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- يقول: (أنا سلم لمن سالمتم) يؤكد ذلك قوله تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله).
***
لكن هناك وقفة بالغة المعنى في السلام - هي أنه يجب ألاّ نرضى بسلام قائم على التنازل من الثابت لحقوقنا في الإنسان والمكان، فليس مثل هذا سلاماً حقيقياً كريماً، إنما هو ذل وخضوع، ومهانة وضعف ترفضه كرامة الإنسان.
إن أية أمة تسلب أرضها وتداس كرامتها وترضى من المعتدى بالاستسلام له هي أمة ذليلة ضعيفة، وما عليها قبل القبول بالسلام إلاّ السعي إلى اتخاذ أسباب القوة واسترداد المسلوب من أرضها وكرامة الإنسان فيها، وصدق شوقي حين قال:
وعيشوا في ظلال السلم كدَّاً
فليس السلم عجزاً واتكالاً
***
السلام دأب العقلاء، وديدن أهل الفكر، ومسلك حياة الأغنى وعياً الأدق نظراً، فقيمة السلام من أعظم القيم، فهي القيمة القوية أثراً تتجلى فيما يعود منها على الإنسان من نفع، وإصلاح شؤون الحياة وكبح جماح النفوس الشريرة... هذه القيمة تحتاج إلى نفوس أبية كريمة تسعى للخير العام، ورغبات الجميع بعيدة عن مطامع الأنا، فما أرخص وأهون الاستسلام الذي تدعو إليه المطامع الذي سرعان ما ينكشف، وتظهر الحقيقة في أن دعاته ليسوا حقاً دعاة سلام بقدر ما هم أصحاب مصالح.
***
إن السلام الحقيقي أمر فطري أوجده الله في النفس البشرية، وليس ثمة إنسان يولد عدوانياً، وإنما العداء يكون في النفس نتيجة مؤثرات خارجية وظروف محيطة تدفع الإنسان إلى الخروج عن طبيعته حتى يتحول من ملاك إلى شيطان رجيم نتيجة شعوره بالغبن والقهر وتسلط الآخرين عليه.
أقول: السلام هو أول الحياة وبداية كل الخير في الأعمال، وآخر ما يفعله المرء وينهي به لقاءاته.. عليكم السلام ذلك لأن (السلام تحية أهل الجنة) كما جاء في أثر الحبيب المصطفى وقوله: (أفشوا السلام تسلموا).
إن السلام قيمة عظمى من قيمنا التي نحيا بها، ونحقق القيم الأخرى بوجودها - فلنكن جميعاً أهل سلام ومحبة وأمان، ولنتذكر دائماً أن السلام هو الدعاء بالخير والتعبير عن الشكر؛ فنحن نقول لمن أجاد عمله (سلمتْ يداك)، والسلام رسالة حب وتقدير بين الجميع، فنحن نوصي من سيقابل أحداً ممن نعرفهم (إذا لقيت فلاناً فأبلغه مني التحية والسلام).
***
اللهم أدم السلام على بلادنا، سلاماً قائماً على العدل والإنصاف، سلاماً لا تكدره أطماع حاقدين ولا أحقاد كارهين.
***
وفقنا الله جميعًا إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأَمِدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.
* رحمه الله