الجزيرة - وحدة التقارير والأبحاث الاقتصادية:
رغم ارتفاع عدد سكان المملكة خلال الآونة الأخيرة إلى ما يناهز 29.9 مليون نسمة، ورغم تحقيقه لمعدل نمو سنوي يتجاوز 2.7%، إلا أن قوة الطلب بالسوق السعودي لا تحتسب بعدد السكان فقط، وهو خطأ شائع يقع فيه الباحثون غير الملامسين للواقع السعودي عن قرب .. حتى أولئك الذين يقدرون قوة الطلب بأنها عدد السكان مضافاً إليها عدد زوار الحج والعمرة، والتي تناهز نحو 10 ملايين نسمة سنوياً، فإنها أيضاً قد لا تضاهي قوة الطلب الحقيقية بالسوق المحلي.. حيث توجد هناك مصادر أخرى لقوة الطلب تتجاوز تلك الظاهرة.
ونسعى هنا للتنقيب في مصادر هذا الطلب، ومكامن قوته، والتي يأتي على رأسها ما يلي:
أولاً: السكان السعوديون وارتفاع مستويات الدخول:
يصل عدد السكان السعوديين حالياً إلى حوالي 20.3 مليون نسمة، وينمو بمعدل سنوي بنحو 2.2% .. إلا أن قوة طلب السعوديين تفوق عددهم بمراحل.. ويرجع ذلك إلى الارتفاع الكبير في مستويات دخول السعوديين.. وفي الحقيقة حتى قياس قوة الطلب لدى السعوديين بمستويات الدخول المعلنة، فإنها محل شك، نظراً لوجود فئة كبيرة من السعوديين هم أساساً إما ملاك أو أصحاب أعمال خاصة، وهؤلاء لا تنطبق عليهم معايير مستويات الدخول المعلنة .. بل إن كثيراً من السعوديين قد لا يكون معلناً له وظيفة أو حتى عمل خاص محدد، ولكنه قد يمتلك مصادر أخرى للدخل غير ظاهرة، سواء مدخرات أو ودائع أو أسهماً أو عقارات.
ثانياً: أعداد الحجاج والمعتمرين:
يعد عدد الحجاج والمعتمرين أحد أهم جوانب قوة الطلب بالسوق المحلي، حيث يناهز عدد الحجاج سنوياً نحو 3.1 مليون حاج، في المقابل يصل عدد المعتمرين إلى حوالي 7 ملايين معتمر.. أي أن إجمالي عدد الحجاج والمعتمرين يصل سنوياً ما بين 10.1 مليون حاج ومعتمر سنوياً (للعلم أعداد العام الماضي لا يعتدى بها لأنها تمثل ظرفاً طارئاً وهو وجود إنشاءات في الحرم) .. وهي قوة طلب مهولة، لأن هؤلاء الحجاج والمعتمرين يتجددون سنوياً تقريباً، فالحاج أو المعتمر يأتي بقوة طلب أو انفاق استهلاكي عالية، بدافع الهدايا من الأماكن المقدمة التي تحفظ له الذكريات .. وبالتالي، فإن إنفاق الحجاج والمعتمرين يعد إنفاقاً قوياً ومكثفاً ومرتبطاً بفترة زمنية قصيرة وضيقة.. ويقدر بعض خبراء الاقتصاد حجم إيرادات الحجاج والمعتمرين بالمملكة بما يناهز 62 مليار ريال.
ثالثاً: أعداد السائحين الوافدين بأغراض الأعمال وأغراض أخرى:
خلال السنوات الأخيرة ظهر مصدر آخر مهم لقوة الطلب بالسوق المحلي، وهو مصدر السائحين القادمين للمملكة بغرض التجارة والأعمال أو لحضور المعارض والمؤتمرات، أو لزيارة الأصدقاء والأقارب .. وهذا العدد ليس قليلاً، وتشير الإحصاءات إلى أنه يصل سنوياً إلى حوالي 9.0 مليون سائح وافد إلى المملكة.. ويوجد من بين هذا العدد حوالي 3.0 مليون سائح يأتون بغرض الأعمال والمؤتمرات، وهذه الشريحة بالتحديد تمثل قوة دخل عالية القيمة المضافة، لأنهم غالباً ما يمثلون رؤساء أو ممثلين لشركات كبرى، أو ممثلين لدول أو وفود تجارية أو سياسية أو غيرها.. ويكون مستوى إنفاقهم عالياً وقوياً.
رابعاً: قوة عرض النقود بالسوق المحلي:
توجد هناك قوة رابعة خفية كمصدر للطلب، وهي قوة وضخامة حجم السيولة النقدية المتداولة في السوق المحلي، حيث وصل حجم عرض النقود في مارس من هذا العام إلى حوالي 1.6 تريليون ريال، بل وصل حجم النقد المتداول خارج المصارف إلى حوالي 147 مليار ريال، وهو يمثل كماً ضخماً من السيولة تتداول في أيدي الأفراد .. قادر على تحريك دورة نشاط قوية.
طفرة النشاط التجاري بالمملكة:
حتى عام 2003م لم يتجاوز عدد السجلات التجارية بالمملكة نحو 526 ألف سجل، وكان معدل نموها السنوي لا يتجاوز حوالي 37 ألف سجل سنوياً، إلا إنه بدءاً من عام 2007م بدأت السجلات التجارية تحقق طفرة غير مسبوقة، حيث وصل عدد السجلات التجارية الجديدة حوالي 62.4 ألف سجل تجاري، وبدأت بعدها تنمو بمعدلات متزايدة، حتى وصلت في عام 2012م حوالي 164.8 ألف سجل .. حتى ارتفع عدد السجلات التجارية المتراكمة إلى حوالي 1.2 مليون سجل تجاري، محققاً نمواً بنحو 125% خلال فترة تقل عن عشر سنوات.. وتشير بعض التقديرات إلى توقع وصول عدد السجلات التجارية حالياً إلى نحو 1.4 مليون سجل، بما يجعل معدل نموها يتناهز الثلاثة أضعاف منذ 2003م.
هذه الطفرة التي حققها النشاط التجاري لا ترتبط بقوة الطلب الظاهرة أو المعتادة، ولكنها ترتبط بمكامن قوة الطلب الكبيرة والهائلة التي بدأت تظهر بالسوق السعودي.
طفرة سجلات سيدات الأعمال بالمملكة:
قوة الطلب المحلي لم تتجه ناحية السجلات التجارية للرجال فقط، ولكن ظهرت تأثيرات أيضاً على سجلات سيدات الأعمال، ففي الربع الأول من هذا العام (1435هـ) بلغ عدد السجلات الصادرة لسيدات الأعمال حوالي 6897 سجلاً، مقابل حوالي 5845 سجلاً في الربع الأول من العام الماضي، وهذه الأرقام تمثل قفزة قوية عن مثيلاتها منذ عشرة سنوات، حيث لم يكن عدد السجلات النسائية يتجاوز حوالي 557 سجلاً في الربع الأول من عام 1427هـ.
وجدير بالذكر أن طفرة سجلات سيدات الأعمال تبدو أقوى وأعلى نمواً منها لإجمالي السجلات الرجالية والنسائية.