وأخيراً، تنفس التونسيون الصعداء بمصادقة المجلس التأسيسي ليلة أول أمس على القانون الانتخابي برمته بعد أن تم إسقاط الفصل الخاص بإقصاء المنتمين سابقاً إلى التجمع المنحل أو الذين عملوا مع النظام السابق من الحياة السياسية. فوسط جدل وصراعات وتبادل للشتائم، توصل نواب المجلس التأسيسي إلى تمرير القانون الانتخابي بالرغم من نقاطه الخلافية العديدة التي كادت تسقطه وتعصف بالوحدة الوطنية، في وقت لوحظ فيه أن أكبر الأحزاب الفاعلة على غرار النهضة ونداء تونس والمؤتمر، لم تخرج سالمة من هذا الامتحان الصعب الذي مر به نوابها إبان مناقشة فصل الإقصاء السياسي.
وأشار متتبعون للشأن المحلي إلى أن القانون الانتخابي الذي أنهى الصراع الدائر تحت قبة المجلس التأسيسي أطلق رصاصة الرحمة على ما تبقى من الترويكا المستقيلة بانشقاق صفها وتصدع وحدة كلمتها وذلك بسبب الاختلاف الإستراتيجي في الموقف إزاء فصل العزل السياسي، الذي صوت له نواب التكتل والمؤتمر وما تفرع عنه من أحزاب صغيرة، فيما تمسك عدد قليل من نواب النهضة بالوقوف ضد تمريرة. فبقدر ما كانت المصادقة على الدستور توافقية في مجملها، بقدر ما كانت مناقشة القانون الانتخابي ساخنة جداً، وصلت حد تبادل اللكمات تحت قبة المجلس بين نواب يطالبون بإقرار مبدأ التناصف بين التونسيين والتونسيات في الترشح للانتخابات، وبين رافض للمقترح جملة وتفصيلاً.
ويشار إلى إن نائبات من حركة النهضة، ممن صوتن ضد قانون الإقصاء بالرغم من توصيات زعيم الحركة الشيخ راشد الغنوشي، أقمن قضية عدلية ضد أحد النواب «البهلوانيين» الذي كان دعا التونسيات أول أمس إلى المكوث في بيوتهن وعدم المجازفة بدخول المعترك السياسي.
الغنوشي الذي يعود إليه الفضل في كسر جهود المعارضة الرامية إلى إقصاء التجمعيين ورموز العهد السابق من المشهد السياسي، قام بدور رئيس في إطفاء نار الفتنة التي كانت تتهدد لا الأحزاب السياسية فيما بينها بل المجتمع التونسي بأسره.. فالرجل كان حاضراً طوال مناقشة المشروع في الكواليس ملقيا بثقله على نواب كتلته الذين تمسك أغلبيتهم بتمرير قانون العزل السياسي.. جهراً، متحدين بذلك توصيات الشيخ ومتجاوزين ما عرف عن حركة النهضة من التزام وانضباط حتى وان اختلفت الرؤى والمواقف صلبها. وقالت بعض الأنفس الخبيثة بأن وراء تمسك النهضة بمعارضة قانون العزل السياسي، خوف شديد من بعض الأطراف التي تملك ملفات أدانة لرموز الترويكا إبان حكمها، وخشية بعض القياديين النهضويين من رد فعل قد يعصف بمصداقية الترويكا ونظافة أيدي وزرائها.
وكان من تداعيات المصادقة على القانون الانتخابي أيضاً، تراجع شعبية رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر الذي ظل إلى آخر لحظة متمسكاً بفصل العزل السياسي، حيث لم يقوَ على إدارة الجلسة العامة وخير ترك مكانه لنائبته الأولى محرزية العبيدي التي أدارت الأشغال بحنكة واقتدار، بالرغم من حالة التوتر والعراك التي ميزتها وزادتها دخول عائلات الشهداء والجرحى المعتصمين بالمجلس منذ أسابيع، تدهوراً بعد الهستيريا الجماعية التي سادت أفرادها، عقب إسقاط مقترح الإقصاء الجماعي للتجمعيين.
والثابت أن المصادقة على القانون الانتخابي في ظرف وجيز وإن كان سيمكن من إعادة الأمل في إجراء الانتخابات في موعدها الذي حدده الدستور الجديد، وبالتالي في ضمان حد أدنى من المصداقية للمجلس التأسيسي، لم يشكل محطة تاريخية تحسب للمجلس مرة أخرى بعد مصادقته على دستور البلاد وإنقاذها من إزمة سياسية كانت تتهددها، بل إنه، وفق تقديرات المحللين السياسيين، كان بمثابة النقطة التي أفاضت كؤوس عديد الأطراف التي اضطرت إلى مراجعة مواقفها من أحزابها من ذلك أن أحد نواب حركة النهضة أعلن رسمياً استقالته من حزبه فيما تشير بعض المصادر إلى أن حمى الاستقالات ستعم باقي الأحزاب وأن لأسباب مختلفة.. فحركة نداء تونس أول مستفيد من إسقاط قانون العزل السياسي، التي تشهد حرباً داخلية لا أحد بإمكانه التنبؤ بنتائجها.