رفع أصحاب المعالي وزراء الثقافة في الدول العربيَّة ودول أمريكا الجنوبية المشاركون في الاجتماع الثالث لوزراء الثقافة في الدول العربيَّة ودول أمريكا الجنوبيَّة «الأسبا» الذي استضافته المملكة العربيَّة السعوديَّة في العاصمة الرياض خلال الفترة من 28 - 6 إلى 1 - 7- 1435هـ، برقية شكر وتقدير إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- على رعايته الكريمة لفعاليات الاجتماع، وما حقّقه من نتائج مثمرة تصب في مجال تعزيز التعاون الثقافي بين دول المجموعتين، وعلى ما وجدوه من كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال.
كما رفعوا برقية شكر مماثلة إلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، وصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء المستشار والمبعوث الخاص لخادم الحرمين الشريفين -حفظهما الله - لدعمهما أعمال هذا الاجتماع الذي كان له الأثر الكبير في تفعيل الحوار بين الدول الأعضاء لخدمة مسيرة التعاون بينهم.
وأكَّد وزراء الثقافة في الدول العربيَّة ودول أمريكا الجنوبيَّة في بيان الرياض الذي أعلن عقب اختتام جلسات الاجتماع الثالث أمس، التزامهم بالمبادئ والأهداف المشتركة لوزارات الثقافة بالدول العربيَّة ودول أمريكا الجنوبية الساعية لتنفيذ خطط وبرامج ثقافية مشتركة بين الجانبين تضمن مساحة أكبر للتفاعل بين شعوب الدول العربيَّة ودول أمريكا الجنوبيَّة وتعزِّز التعاون الثقافي والتنمية البشرية والتفاهم الدولي. واتفقوا على تعزيز التعاون بين المجموعتين العربيَّة والجنوب أمريكيَّة من خلال التنوع الثقافي والحضاري، وحفظ الحقوق الثقافية لشعوب الدول العربيَّة ودول أمريكا الجنوبية، والتعاون بين المؤسسات الثقافية، وتفعيل تنفيذ هذه البنود.
وفيما يخص بند التنوع الثقافي والحضاري، فقد اتفقت الدول على أهمية احترام تنوع الثقافات واتباع الديانات، والحضارات التي تشكّل الإرث البشري المشترك، والتأكيد على أن حرية العبادة إنما أحد الحقوق الأساسيَّة التي ينبغي عدم إخضاعها لأيِّ شكل من أشكال التمييز، معربين عن قلقهم إزاء تصاعد حالات التصوير السلبي والنمطي المتعمَّد لأتباع الأديان ورموزها المقدسة.
وأهابوا بأعضاء المجتمع الدولي الوفاء بالتزاماتهم بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان خاصة فيما يتعلّق بالتحريض على الكراهية الدينية، بهدف حماية حق كل إنسان في حرية التفكير والرأي والضمير والدين دون تمييز أيًا كان نوعه.
وأكَّدوا أهمية دعم المبادرات الرامية إلى إقامة حوار بين الحضارات والثقافات والشعوب بشكل عام، ودعم مبادرة تحالف الحضارات التابعة للأمم المتحدة لمد جسور من التواصل البناء والمعرفة المتبادلة والتفاهم المتعمق في العالم، مع أهمية معرفة وقبول الآخر واحترام حق الاختلاف وتشجيع الحوار البناء لإزالة سوء الفهم والتعرف على المجالات التي يمكن أن يتعاون الطرفان فيها.
ونوَّهوا إلى أهمية دعم البرامج والمظاهر الثقافية التي تدعو إلى احترام الشرائع السماوية، وتعزيز الحوار والتسامح بين أتباعها ونشر القيم الإنسانيَّة المشتركة التي تدعو إليها وتدين جميع أشكال الممارسات التي تسيء إلى هذه الأديان وتشوه صورتها.
وعن بند الحقوق الثقافية لشعوب الدول العربيَّة ودول أمريكا الجنوبية، فقد دعت الدول العربيَّة والجنوب أمريكيَّة إلى تشجيع الإبداع والمشاركة في الحياة الثقافية، وتعزيز سياسات صون التراث المادي والمعنوي المنقول وغير المنقول والاستفادة منه، فصلاً عن تعزيز التنوع الثقافي واللغوي في مجتمع المعلومات، وتخصيص مزيد من الدعم لتنمية الموارد البشرية والماليَّة تحقيقًا للتنمية الثقافية.
ودعا بيان الرياض إلى دعم حرية تعبير الإنسان لتحقيق التفاعل والمشاركة الفعلية في الحياة الثقافية على مستوى الدول العربيَّة ودول أمريكا الجنوبية، والدخول في مجتمع المعلومات وامتلاك كل فرد لناصية تقنيات الإعلام وتقنية الاتِّصال، ومنح حرية التنقل للمبدعين بين الدول العربيَّة والدول الأمريكية الجنوبيَّة لتيسير الانتفاع بهم، إلى جانب تنمية ثقافة الأطفال والشباب وذوي الاحتياجات الخاصَّة.
كما دعا إلى تشجيع التعاون بين الحكومات والمجتمع المدني للمشاركة في وضع تنفيذ وتمويل البرامج الثقافية تعزيزًا للديمقراطية ودعمًا للإستراتيجيات الإنمائية، وتشجيع عقد الاتفاقيات الثقافية والبرامج التنفيذية الثنائية والمُتعدِّدة الأطراف بين الحكومات والمنظمات غير الحكومية والتأكيد على تفعيل الاتفاقيات الموقعة بين دول الإقليمين.
وأعربت الدول في بيانها عن أملهم في التصديق على اتفاقية منظمة «اليونسكو» المتعلّقة بحماية وترقية تنوع المضامين الثقافية وأشكال التعبير الفني واتفاقية صون التراث المادي وغير المادي وحمايته، مع الحفاظ على التراث الثقافي والأماكن الدينيَّة والتاريخية وصيانتها في المناطق الواقعة تحت الاحتلال، علاوة على احترام وحدة التراث الثقافي والتاريخي والديني لمدينة القدس المُحتلَّة، والطلب من «اليونسكو» متابعة الظروف المحيطة بالمسجد الأقصى والمواقع الإسلاميَّة والمسيحية الأخرى.
وفيما يتعلّق ببند التعاون الثقافي والمؤسسات الثقافية في الدول الأعضاء، دعا بيان دول «الأسبا» المكتبة العربيَّة الأمريكية الجنوبيَّة إلى القيام بمسؤولية إعداد وتنفيذ المزيد من برامج الترجمة من وإلى اللغات العربيَّة والإسبانية والبرتغالية بالتعاون مع معهد البحوث حول أمريكا الجنوبيَّة في المملكة المغربية والمعهد العالي للترجمة في الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، بالاستعانة بالمؤسسات العربيَّة والأمريكية الجنوبيَّة المعنية في شؤون الترجمة بشكل احترافي ومباشر عن اللغات الأصلية.
وأشار البيان إلى أهمية تبادل استضافة الكتاب والمبدعين بين الجانبين في المجالات الأدبيَّة والفنيَّة، والموافقة على مشروع إقامة معرض بعنوان (حكاية نهرين.. الأمازون والنيل) ودعوة كل من: مصر، والسودان، والبرازيل، والبيرو، والإكوادور، وفنزويلا، للإعداد والتنسيق لهذا المشروع، وإنشاء قاعدة معلومات حول أهم المجالات الثقافية بالتركيز على الفعاليات والشخصيات الثقافية في كلا المجموعتين على أن تتولى المكتبة العربيَّة - الأمريكية الجنوبيَّة الإشراف على هذا المشروع.
وشدَّد البيان على أهمية متابعة إنجاز مقر المكتبة العربيَّة الأمريكيّة الجنوبية في الجزائر العاصمة، والترحيب باحتضان معهد الدراسات الإسبانية والبرتغالية التابع لجامعة محمد الخامس بالرباط باحتضانه بشكل مؤقت معهد البحوث حول أمريكا الجنوبية، وإنشاء مكتبات محليَّة مستقلة في دول أمريكا الجنوبيَّة منبثقة عن المكتبة العربيَّة الأمريكية الجنوبيَّة لتوسيع مجالات التعاون الثقافي بين الجانبين.
وشجع البيان عقد أسابيع ثقافية تشمل معارض للكتاب وندوات ثقافية وفكرية ومعارض للفنون الجميلة وكتب الأطفال والأزياء التقليدية، والعروض المسرحية والموسيقية، وحظر نقل غير المشروع والاتجار في الممتلكات الثقافية، والاتفاق على اتِّخاذ إجراءات محدّدة للتعاون وتشجيع حماية الإرث الثقافي، وإنشاء صناديق لحماية المواقع الأثرية والمتاحف من بين أمور أخرى.
وتضمَّن هذا البند أيْضًا، تشجيع إدراج اللغة العربيَّة في المناهج التعليميَّة في دول أمريكا الجنوبية، واللغات الإسبانية والبرتغالية في المناهج الدراسية في الدول العربيَّة، ونشر وسائل الإعلام العربيَّة في دول أمريكا الجنوبيَّة وكذا وسائل الإعلام الأمريكية الجنوبيَّة في الدول العربيَّة. كما تَضمَّن إعداد أدلَّة عن المتاحف في دول «الأسبا» وإصدار نشرات دورية إخبارية عن الفعاليات الثقافية التي تقام في الدول الأعضاء، والنظر في إمكانية نشرها على البوابة الإلكترونية لليونسكو، وعقد ندوة لمديري المكتبات والقائمين عليها في دول الإقليمين بمكتبة الإسكندرية، لتبادل الخبرات وتطوير التعاون في هذا المجال حفاظًا على الهوية العربيَّة.
وأكَّد البند الثالث أهمية ربط دور الأرشيف ومراكز التوثيق والمعلومات في الدول العربيَّة مع نظيراتها في دول أمريكا الجنوبيَّة من خلال إنشاء دليل تعريفي مشترك من شأنه العمل على تسهيل عقد اتفاقيات معها لتبادل ونسخ الوثائق التي تهم وتخص تاريخ وحضارة دول الجانبين، وتطوير التعاون في مجال الآثار، والشراكات بين المتاحف والنظر في إقامة معرض دوري مشترك للآثار بين دول «الأسبا» برعاية اليونسكو.
ودعا إلى تنظيم معارض الكتاب في دول الأسبا بالتنسيق مع اليونسكو، وتطوير صيغة للعمل المشترك في مجال الثقافة الإلكترونية والنشر الإلكتروني، وتنظيم منتديات ثقافية مشترك يشارك فيها كتاب وأدباء ومفكرون من مختلف دول الأسبا، وتخصيص جائزة للإبداع الثقافي وتشمل الترجمة والأدب والسينما والفن تقدم كل ثلاثة أعوام في قمة الأسبا. والبند الرابع عُني بتنفيذ هذه البنود وإحالتها إلى الجهات والمؤسسات المختصة في الجانبين العربي والأمريكي الجنوبي للشروع في تنفيذها ومتابعتها، وعقد الاجتماع الوزاري المشترك للمجموعتين كل ثلاثة أعوام بالتناوب بينهما، مع تفعيل عمل لجنة التعاون الثقافي المكوَّنة من الخبراء وكبار المسئولين من دول الإقليمين على أن تتولى رئاستها الدَّوْلة المضيفة لآخر اجتماع وزاري وهي المملكة العربيَّة السعوديَّة التي تتولى الدعوة لانعقاد اجتماعات هذه اللجنة. وتم في هذا الإطار تكليف مجموعة اتِّصال من دول الأسبا في اليونسكو للإسهام في تنفيذ خطة التعاون الثقافي المشترك، وتكليف المنظمة العربيَّة للتربية والثقافة والعلوم بالإسهام الفعَّال في تنفيذ خطة التعاون الثقافي.
وكان معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز بن محيي الدين خوجة قد ترأس أمس، جلسة أعمال الاجتماع الثالث لأصحاب المعالي وزراء الثقافة في الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية، بحضور أصحاب المعالي وزراء الثقافة في الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية، وممثلي المنظمات العربية والدولية، وذلك في قاعة الأمير سلطان بفندق الفيصلية. مثل وفد المملكة العربية السعودية في الجلسة معالي نائب وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد الله الجاسر .
وألقى معالي الدكتور عبد العزيز خوجة كلمة في مستهل الجلسة، أزجى في مستهلها شكره وتقديره للخبراء الذين عقدوا اجتماعاتهم التحضيرية المكثفة وواصلوا على مدى يومين مناقشة موضوعات المدرجة على جدول الأعمال ومحاور الاجتماع، وما توصلوا إليه من نتائج ترضي الطموحات، وتحقق التعاون المشترك بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية.
كما عبر عن شكره للأمين العام المساعد رئيس قطاع الشؤون الاجتماعية في الجامعة العربية السفيرة فائقة الصالح، وزملائها في الجامعة. ثم أعلن معاليه بدء الجلسة بالاستماع إلى كلمات المشاركين، والتعليق على مسودة مشروع البيان الختامي لاعتماده.
وألقى وزراء الثقافة في الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية خلال الجلسة كلمات ثمنوا خلالها مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ ، بإنشاء مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين الحضارات، مؤكدين أن ذلك سيدعم منطلقات الحوار الفكري بين العالمين العربي والجنوب أمريكي.
وأشادوا بمواقف المملكة الداعمة لنشر الثقافة العربية في العالم من خلال مبادرات الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي لم يأل جهدا في سبيل دعم المواقف العربية في مختلف المجالات ومنها المجال المعرفي والثقافي.
وأشار الوزراء إلى أن هذا الاجتماع له أهمية بالغة في مد جسور التعاون الثقافي والتكامل بين المنطقتين العربية والجنوب أمريكية في مختلف الميادين ، مؤكدين تأثير الثقافات وامتزاجها بين الدول على المستوى العربي والعالمي مرجعين هذا التجانس، لتشابه الثقافات والانفتاح في نقل المعرفة والثقافة .
وأفادوا أن التواصل الثقافي بين الثقافة العربية وثقافات أمريكا الجنوبية لا يقتصر على المثقفين والمبدعين من ذوي الأصول العربية بل من خلال تفاعل أوساط أدباء أمريكا اللاتينية الذين أصبحت رواياتهم وكتاباتهم النقدية والفكرية منتشرة بصورة واسعة وعميقة في العالم العربي حيث ترجم منها الكثير للغة العربية.
وشدد الجميع على أهمية دعم علاقات التعاون بين الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية من خلال إقامة مؤسسات ثقافية افتراضية للثقافة، ولجنة دائمة للحوار الثقافي، إضافة إلى تفعيل دور الدراما في نقل ثقافات الشعوب.
ورأوا أن انخراط المجتمعات المدنية في تفعيل وتنفيذ مضامين وبرامج الحوار الثقافي من أهم ضمانات مستقبل الشراكة الثقافية بين الشعوب.
كما أكد المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «الإيسيسكو» الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري من جانبه أن هذا الاجتماع يكتسب أهميته من كونه يلتئم في المملكة العربية السعودية التي منها انطلقت الدعوة إلى تعزيز الإخاء الإنساني إلى الحوار بين أتباع الأديان والثقافات في المبادرة التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - .
وأرجع التويجري الجذور الثقافية المشتركة بين الثقافة العربية وبين الثقافتين الإسبانية والبرتغالية إلى المرحلة المتألقة التي كان فيها العرب والمسلمون قادة للفكر والثقافة وبناة للحضارة الإنسانية انطلاقا من الأندلس التي منها امتدت إشعاعات الثقافة العربية الإسلامية إلى العالم الجديد في شماله وجنوبه .
وقال : إن التأثير الواسع للغة العربية في اللغتين الاسبانية والبرتغالية الذي انعكس على ألوان الثقافة ومظاهر الحضارة في شبه الجزيرة الإيبيرية امتزج به تاريخ العالمين العربي والأمريكي اللاتيني وجعل العلاقات الثقافية بين الناطقين باللغات العربية والإسبانية والبرتغالية تزداد قوة ومتانة بحيث تشجع على استثمارها بالشكل الأفضل في الوقت الحاضر.
وبين أن الرصيد الثقافي المشترك بين هذين العالمين يشجع على السير قدما في اتجاه استثمار العلاقات الثقافية التاريخية في بناء علاقات ثقافية جديدة تدفع نحو المزيد من التطوير حتى تشمل مجالات أوسع تجارية وعلمية وتقنية ، إلى جانب تنسيق المواقف إزاء القضايا الدولية التي تستقطب اهتمامات المجتمع الدولي وتمثل تحديا ينبغي مواجهته بقدر أكبر من التعاون الدولي .
وفي ختام الجلسة تسلم معالي وزير الثقافة والإعلام درعا تذكاريا من جامعة الدول العربية سلمته الأمين العام المساعد رئيس قطاع الشؤون الاجتماعية في الجامعة العربية السفيرة فائقة الصالح.
شارك في أعمال الجلسة وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية الدكتور ناصر الحجيلان، والأمين العام المساعد رئيس قطاع الشؤون الاجتماعية في الجامعة العربية السفيرة فائقة الصالح، ورؤساء الوفود في الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية .