رحم الله أستاذنا العزيز الدكتور محمد بن سعد بن حسين الذي وافاه الأجل المحتوم يوم السبت 19 - 6 - 1435هـ، بعد معاناة من جلطة في المخ أقعدته سنتين تقريبا عن العمل والمشاركات العلمية والأدبية.
بدأت آثار الجلطة - كفانا الله شرها - على أستاذنا الدكتور منتصف عام 1433هـ، إذ اختلفت طريقته المنطلقة المعهودة في الكلام، وبدأ يتردد ويتلجلج ويجد صعوبة في التعبير عن رأيه، حين تدور مناقشات قسم الأدب بكلية اللغة العربية في المسائل المعروضة للنقاش، وربما شعر - رحمه الله - بأنه يبطئ على كره منه ويجد صعوبة في إظهار رأيه، مما يستدعي فترة انتظار فرأى أن يقتصر حضوره على الاستماع فحسب؛ ولقربي الشديد منه ولكوني جاره في المكتب لمست هذا الأمر، وما أحببت أن أظهره له خشية التأثير عليه؛ ولكن أحد معدي ومخرجي البرامج التلفزيونية أراد أن يجري لقاء مطولا معي يتضمن شيئا من السيرة الذاتية والمؤلفات والآراء ونحوها، واختار الدكتور ابن حسين للحديث عن رسالتي في الماجستير والدكتوراه؛ كونه أشرف علي فيهما؛ وبعد أن فرغت من محاضرتي في الأدب السعودي على طلابي وعدت إلى مكتبي، وجدت المخرج يظهر شيئا من عدم الرضا عن المقابلة التي سجلها مع ابن حسين؛ فسألته: لم؟! فقال: إنه يتنسى ويتردد في الحديث ويبطئ، فقلت له: أرى أن تستغني عن هذا اللقاء معه؛ حفاظا على صورة أستاذنا المعنوية ومكانته العلمية، وهكذا فعل، وأخذ بديلا عنه الزميل العزيز الدكتور إبراهيم الشتوي.
لم يكن الفاصل بين الصحة والمرض غير أيام قليلة؛ فقبل هذا العارض الذي لحظه كثيرون من الزملاء ومنهم الاستاذ الدكتور عبد العزيز الفيصل الذي قال لي ونحن في أحد أيام مراقبة الامتحانات: ألم تلحظ على أستاذك تغيرا في أسلوب كلامه؟ فقلت: بلى والله، وأخاف أن أصابه ما نكره.
قبل هذا العارض الصحي بأيام؛ ربما قبل أول اجتماع للقسم بأسبوع لم ألحظ عليه آثار المرض؛ حيث كنت أقضي معه وثالثنا سائقه اللطيف الظريف عبد المحسن المرشد بعض الوقت في مكتبه صباحا قبل أول محاضرة لي؛ فكان حين يستمع إلي أهاتف أو أخاطب أحدا يرفع صوته داعيا إياي لشرب الشاي أو القهوة؛ فأجيبه أن مهلا يا دكتور دقائق ريثما أنجز ما بين يدي من أوراق؛ فاستمع إلى سائقه يقرأ عليه أبرز عناوين أخبار الصحف في عجالة إلا حين يستدعي الأمر الحاجة إلى تفاصيل الخبر؛ فأقرأ أنا أيضاً معهما بأذني؛ لأن الحاجز الفاصل بين مكتبينا رقيق شفيف لاكاد يحجز صوتاً أو يخبئ سراً! قال لي مرة: يا أبا مشعل أطرى عبد المحسن سيارة جديدة اقتنيتها من نوع كاديلاك فهل تنصح بشراء مثلها؟ قلت له: يا أبا عبد الحميد هذه لا تصلح لك؛ إنما هي سيارة الشباب! إلا إذا كنت عازما على أمر ما! فقهقه ضاحكا بصوت مجلجل يكاد أن يستلقي على كرسيه الوثير، وقال: ماذا يصلح لي إذا يا محمد؟ قلت: سيارة المسنين الوقورة الطويلة!
كان - رحمه الله - إلى اللحظات الأخيرة قبل أن يشق ويثقل عليه الكلام وهو شعلة من النشاط والحيوية والقدرة على إنجاز الأعمال والذكاء المتوقد وسرعة البديهة والرد السريع على النكتة والنقد اللماح؛ فكان فكاهة ومتعة وأنس استراحة الدكاترة التي كانت تعمر بروادها النجباء البارزين من التاسعة والنصف إلى العاشرة صباحا، من أمثال الدكاترة الفضلاء حمد الدخيل ومحمد القاضي وصالح بن رمضان وعبد العزيز الزير وأحمد الحكمي ومحمود عمار وحسن النعمي ومحمد القسومي وصالح المحمود وغيرهم ومعذرة إن نسيت اسما؛ ويدور الحوار الذكي الخاطف في الغالب بين القاضي وابن حسين على شكل كرة البنج بونج وكأن في يد كل منهما مضرب! إما على هيئة نكتة أو تعليق ونحوه! يتبع.