نحتفل اليوم السبت 26 من جمادى الثانية 1435هـ الموافق 26 من إبريل 2014م بمروز تسع سنوات على تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- مقاليد الحكم في بلادنا العزيزة، ولابد لنا في هذه المناسبة الوطنية السعيدة من أن نقف وقفة استذكار وتأمل، وأن نقرأ بهدوء ما أنجزناه خلال هذه الحقبة القصيرة من الزمن العميقة في التأثير والتغيير؛ لكي ننطلق إلى آفاق جديدة من البناء، ولكي نستوعب أيضاً كم نحن محظوظون بقيادتنا الموفقة التي أنقذتنا من مصائب جماعات التكفير والتفجير، ثم من محن ودمار ما يسمى بالربيع العربي، وهو في الحقيقة «الجحيم العربي» الذي لا يزال يحرق الأخضر واليابس في أقطار عربية عدة بتفاوت في مقدار علو اللهب وحجم الحرائق؛ كسوريا وليبيا ومصر وتونس واليمن.
مرت تسع سنين صعبة من التحدي والمغامرة والشجاعة؛ تسع سنوات مختلفة، غير عادية، نستطيع أن نصفها بأنها سنوات الانتقال من التردد والحيرة إلى الانطلاق بتحد وشجاعة في مواكب التجديد وإرساء البنى القوية لنهضة جديدة من خلال رؤية واضحة للمستقبل ولما يريد أن يكون عليه وطن الأجيال القادمة؛ وذلك من خلال الانفتاح على الثقافات العالمية، والشراكات الاقتصادية، والابتعاث، والتوسع في التعليم الجامعي، وإصلاح القضاء، وإشراك المرأة في التنمية، وسن القوانين التي تكفل حقوق المرأة والطفل، وغيرها من الإصلاحات العظيمة التي نرى الآن آثارها الإيجابية في حياتنا؛ مع العلم بأن التأثير العميق لن يتجلى في عقد واحد من الزمان؛ بل ستتجلى نتائجه الإيجابية المثمرة لأجيالنا القادمة بإذن الله.
في مثل هذا اليوم استلم الملك عبدالله مقاليد الحكم في بلادنا، وواجه بكل جرأة وقوة الداعين إلى الانغلاق، وواجه بحزم العقول المنحرفة الشاذة الكارهة للحياة وللأحياء ممن أصيبوا بلوثة التكفير والعداء مع العالم كله؛ فلم يتردد الملك عبدالله في إعلان تحييده أولئك المعتوهين المنحرفين عن مفهومات العقيدة الإسلامية السمحة؛ فأعلن الحرب الضروس عليهم خمس سنين من المواجهة الجسورة بدءاً من عام 1423هـ منذ بدأ أول تفجير إرهابي إلى نهاية عام 1427هـ حيث اجتث رجال الأمن البواسل آخر خلايا الإرهاب في بلادنا؛ حتى لم يجد له لدينا مأوى يختبئ فيه؛ ففر شتاته وبقاياه مهزوماً إلى خارج بلادنا باحثاً له عن ملجأ!.
لم تكن المواجهة الأمنية الحازمة الشجاعة التي أعلن الملك عبدالله أنها ستستمر مهما طال الزمن ما دامت عناصر الفكر التكفيري الإرهابي حية تنف سمومها ودمارها وخرابها على المجتمع، حتى لو امتدت هذه المواجهة خمسين سنة كما قال! لم يكن الاجتثاث الأمني وحده كفيلاً بتطهير أرضنا من بؤر التخلف والنكوص عن الحياة والاحتراب مع العالم؛ بل واجه الملك عبدالله ذلك الفكر المريض بمعالجات فكرية وحوارية وإعلامية استهدفت نقض ما قام عليه من تصورات خاطئة واستدلالات مجتزأة منقوصة محرفة التأويل يلبس بها أزلام ذلك الفكر على العامة والأتباع من المراهقين المندفعين وغير الراسخين في العلم؛ فاشتغلت لجان المناصحة التي تكونت من متخصصين في العقيدة والعلوم الشرعية في مسلسلات حوارية عميقة داخل مراكز التوقيف؛ حتى اهتدى من كتب الله له النجاة من الضلال وعاد إلى مجتمعه بفكر جديد معتدل؛ أما من أصر على أوهامه ومعتقداته المنحرفة الضالة فقد تكفلت وزارة الداخلية بكف أذاه عن الناس بالاستمرار في إيقاف من أصروا على ضلالهم وتكفيرهم الحكام والعلماء والمثقفين والكتاب ورجال الأمن وموظفي الدولة؛ فحمت المجتمع من شرهم، وحالت بينهم وبين ما يشتهون من التأثير على من لا يملكون حصانة فكرية ولا تأسيساً معرفياً عميقاً.
وإذا كان قرار الملك شجاعاً في مواجهة التكفير والتفجير المباشر؛ فإنه أيضاً كان أكثر شجاعة وحزماً في مواجهة ما ورثه ذلك الفكر المريض من رؤى متخلفة تصد عن الحياة. يتبع،،،