وصول تقرير أعدته لجنة متخصصة في مجلس الشورى إلى خلاصة مفادها، أنه لا حاجة لوضع نظام لمكافحة البطالة بحجة أنه لا يُوجد بطالة في المملكة، يُؤكد أن هناك فجوة واسعة بين المجلس وواقع مشكلات المجتمع.
ولنفرض جدلاً أن المملكة ومن بين دول العالم قاطبة لا يوجد بها بطالة، هل من المعقول أن تجد لجنة متخصصة في مجلس الشورى أن هذا سبب كاف لعدم امتلاك المملكة لنظام لمكافحة البطالة؟.. فالأنظمة توضع للتعامل مع الإشكالات التي قد تظهر مستقبلاً ولا ينتظر حتى تستفحل ليوضع نظام لمكافحتها قد يستغرق إقراره سنوات طويلة.
ومجرد غياب مثل هذا الإدراك عن أعضاء لجنة متخصصة أمر مثير للحيرة والاستغراب، فأعضاء اللجنة يمكن أن يكون لهم رأي في النظام المقترح، لكن لا يمكن أن يكون هذا الرأي هو مجرد القول بانتفاء الحاجة إليه لعدم وجود بطالة، فهذا تبرير غير مقبول من لجنة متخصصة في مجلس شورى.
وما يزيد موقف أعضاء هذه اللجنة غرابة أنه كلام غير واقعي أصلاً، يُظهر أعضاء المجلس بعيدين تماماً عن الواقع. فهل ما تنشره مصلحة الإحصاءات العامة من أرقام حول عدد العاطلين الذي يتجاوز عددهم 600 ألف مواطن غير صحيح وأن هذا الجهاز المتخصص يتعمد تهويل مشكلة غير موجودة أصلاً؟، وهل حصول ما يزيد على مليون مواطن على معونة حافز معظمهم من الجامعيات بل ومنهم من حملة الماجستير والدكتوراه صرف للمال العام لغير المستحقين يقتضي التحقيق والمساءلة، وهل كون نسبة مشاركة المواطنين في سوق العمل ممن هم في سن العمل لا تتجاوز نسبة 36%، وهي بذا واحدة من أدنى المعدلات في العالم، تعتبر مستوى توظيف مقبول للموارد البشرية يرضى عنه المجلس ولا يرى حاجة لتصحيحه؟
وعضو المجلس الذي لا يعتبر الجامعي الذي يُعرض عليه على سبيل المثال وظيفة حارس أمن ويرفضها عاطلاً عن العمل ولا يرى بالتالي أي داع لاتخاذ الدولة أي إجراء يمكن أن يسهم في إيجاد وظيفة تليق به، لن يرى بالتأكيد أن مواطناً يسكن في بيت شعبي متهالك أو في بيت صفيح بحاجة إلى سكن، وبالتالي قد يقول أيضاً إنه لا توجد مشكلة إسكان حقيقة في المملكة ولا داعي لقيام الدولة بأي جهد لحلها.
تكرار خروج هذه الآراء والتصريحات غير الواقعية من قبل لجان متخصصة في مجلس الشورى تتعرض تقاريرها لنقد شديد حتى من بعض أعضاء المجلس أنفسهم، ناهيك عن السخرية والتهكم التي تثيرها هذه الآراء من قبل عموم أفراد المجتمع يُظهر انفصاماً بين أعضاء المجلس وواقع المشكلات التي يواجهها المجتمع، وأقترح على رئاسة المجلس عندما تصلها تقرير لجان من هذا النوع وترى أنه من غير المناسب عرضها على مرأى ومسمع عموم الناس أن تعيدها لتلك اللجان أو أن تجعل نقاشها مغلقاً أمام الإعلام حفاظاً على صورة المجلس التي لا تحتمل مزيداً من التدهور.