تصريح وزير العمل الأسبوع الماضي الذي ذكر فيه أن عدد السعوديات العاملات في القطاع الخاص ارتفع من 42.4 ألف في 2011 إلى 454.3 ألف بنهاية 2013، أي أنه في عامين فقط تم توظيف ما يزيد على 400 ألف مواطنة في القطاع الخاص، أو أنه قد تم مضاعفة عدد السعوديات العاملات في القطاع الخاص عشر مرات خلال عامين، ينطبق عليه وبكل استحقاق مقولة» إذا حُدث العاقل بما لا يعقل فصدق فلا عقل له»، ويظهر أن وزارة العمل التي يفترض أنها الجهة المسئولة عن ملاحقة المتلاعبين والمحتالين على برنامج السعودة راضية تماماً عن هذا التحايل بل وتعده انجازاً تفتخر به، بالتالي لا أمل مطلقا في أن تُحارب السعودة الوهمية إن كان الجهاز المعهود إليه بهذه المهمة يعدها إحدى أبرز إنجازاته.
هذه السعودة الوهمية وعلاوة على ما تسببت فيه من فتح لباب الاستقدام مشرعاً أمام المتلاعبين بفضل برنامج نطاقات الذي يكافئ المتحايلين بمزيد من التأشيرات، بحيث نمت تأشيرات الاستقدام بشكل هائل منذ بدء تطبيقه، يظهر خللاً فادحاً في استراتيجيات وزارة العمل الحالية، والغياب التام أو حتى عدم الاكتراث بالأضرار الكبيرة المترتبة عليها، ليس في المدى القصير فقط، وإنما حتى على مدى عقود عديدة قادمة.
أحد أبرز هذه الأضرار دفع مئات الآلاف من شبابنا وشاباتنا إلى وضع مماثل لوضع العديد من سكان محميات الهنود الحمر في الولايات المتحدة Indian Reservations، فسبب إعانة البطالة والدعم الغذائي الذي يحصل عليه العاطلون عن العمل والفقراء من ساكني تلك المحميات أصبح لديهم ميل إلى عدم العمل خشية فقد هذه المعونة التي تبقيهم عن حد أدنى من الكفاف، ما أضاع على الملايين منهم فرص تحسين مستويات معيشتهم، وأبقاهم في دائرة فقر مغلقة سنين طويلة، وفقدوا أي دافع للسعي خلف الفرص المتاحة أمامهم لتغيير أوضاعهم بسبب هذه المعونة المخدرة.
وهذا هو الوضع نفسه الذي يعيشه شبابنا وشاباتنا المتورطين في السعودة الوهمية، فالمبلغ الزهيد الذي يحصلون عليه شهريا مقابل استغلال أسمائهم في نظام التأمينات الاجتماعية، والذي حتى لا يتحمله صاحب العمل وإنما في معظم الأحيان يتحمله صندوق الموارد البشرية، يُفقد هؤلاء الشباب والشابات أي حافز للالتحاق بعمل حقيقي، فمن يحصل مثلاً على 2000 ريال وهو نائم في فراشة لا يمكن أن تقنعه بعمل حقيقي حتى وإن بلغ الأجر ضعف هذا المبلغ أو حتى أكثر من ذلك. من ثم فهؤلاء الشباب والشابات هم في حقيقة الأمر عاطلون عن العمل يجب أن تضاف أعدادهم إلى عدد العاطلين لا اعتبارهم جزء من العاملين في القطاع الخاص، فما يحصلون عليه من مبالغ شهرية هي نظير استمرار إعارة أسمائهم للمتحايلين على متطلبات السعودة وليست مقابل أعمال يؤدونها، ما يجعلهم يمثلون نوع جديد من البطالة قد نتحير نحن الاقتصاديين في إعطاء اسم له.
بالتالي فهذه السعودة الوهمية لا تمثل توظيفاً وإنما هي حالة مماثلة تماما لحالة الهنود الحمر يقبعون فيها لسنوات عديدة غير مدركين للفرص التي تضيع عليهم ومخدرين بالمبلغ الزهيد الذي يسد رمقهم ويخشون من فقده فيقبلون البقاء في هذا الوضع غير الطبيعي لسنين عديدة تجعل من المستحيل تحولهم إلى عناصر منتجة في المجتمع مع كل ما يعنيه ذلك من تأثيرات نفسية واجتماعية واقتصادية سلبية هائلة.
وهذا الوضع الذي تسببت وزارة العمل في دفع شبابنا وشاباتنا إليه هو من أخطر نتائج تطبيق برنامج نطاقات التي لا ترغب الوزارة في الاعتراف بها، وعوضاً عن ذلك تكتفي بمحاولة ترقيعه مرة تلو أخرى دون جدوى. وإن كان لدينا أدنى اهتمام بمستقبل وطننا وبكفاءة استغلال مواردنا البشرية ويقلقنا النتائج النفسة والاجتماعية الكارثية لهذا الوضع على شريحة واسعة من أفراد المجتمع فإننا في أمس الحاجة وبشكل عاجل إلى وضع حد لهذا البرنامج الكارثي الذي لا يرغب واضعوه في إعادة النظر فيه خشية الاعتراف بخطائهم في تبنيه، رغم كل ما تسبب به من نتائج عكسية ليس على المشروع السعودة فحسب وإنما على مجمل الوضع الاقتصادي والاجتماعي في بلادنا، وسيكون الثمن الذي يدفعه الوطن والمجتمع باهظاً على مدى عقود عديدة قادمة إن لم نسارع إلى تدارك كل ذلك عاجلا