الأستاذ العربي المصري علي محمد زكي يستحق أرقى الجوائز وأفضل أنواع التكريم، وأقترح منحه جائزة الملك فيصل للعلوم الطبية. الرجل استطاع بإمكانات متواضعة، أن يكتشف أول إصابة موثقة علمياً بفيروس كورونا القاتل. هذا الأستاذ في علوم الأحياء الدقيقة كان يعمل في مختبر مستشفى خاص في جدة، وليس في أحد المستشفيات الكبرى أو إحدى كليات الطب والعلوم المتخصصة في البحث العلمي. الرجل طبّق المبدأ العلمي الأهم على الإطلاق: مبدأ الشك ثم البحث حتى النهاية. أما الآخرون، في الطب الوقائي والمراكز المسماة بالبحثية، فهؤلاء جيّروا كامل الموضوع على حساب القضاء والقدر، مع الاحتفاظ لأنفسهم بالكراسي واضطهاد من يشذ عن بيروقراطيتهم المقيتة والفاسدة.
بدأ الموضوع كقصة تحرٍّ بوليسية، ببعض الإصابات بمرض غامض في منطقة الهفوف، يقتل بسرعة فائقة. أرسلت وزارة الصحة آنذاك (قبل سنتين) مجموعة عمل، والنتائج كانت كلاماً كثيراً ومصاريف، وعلمياً أو وقائياً لا شيء.
في يوم 16 - 5 - 2012م أدخل مريض محموم ومكتوم ويسعل كثيراً إلى مستشفى خاص (معروف للجميع) في مدينة جدة. بعد يومين توفي المريض نسأل الله له الرحمة، في العناية المركزة. شُخِّص الموضوع كحالة وفاة بالفشل الرئوي والكلوي لأسباب مجهولة، وتم نسيان المريض والملف وأقفل الموضوع.
في مختبر ذلك المستشفى كان يعمل الأستاذ المصري علي محمد زكي، وهو الوحيد الذي لم يستطع تقبل النهاية باستسلام وبدون معرفة الأسباب. أثناء متابعة حالة المريض قبل الوفاة كان المختبر قد سحب عينات للفحص من دم وسوائل وأنسجة المريض. الأستاذ علي استمر في إجراء الفحوصات والتحاليل عليها، حتى بعد وفاة المريض، وأرسل عينات منها إلى وزارة الصحة طالباً المساعدة في الوصول إلى نتيجة علمية واضحة لسبب المرض القاتل، كما أرسل أيضاً عينات أخرى إلى مركز علمي عالمي في أوروبا اسمه pro Med، أي في سبيل الطب، راجياً منه التأكد مما سبق للدكتور علي شخصياً أن توصل إليه: أن المريض توفي بسبب إصابته بفيروس من فصيلة كورونا.
تلك كانت أول حالة يتم تشخيصها عالمياً، أي أول إصابة مثبتة علمياً بأن فيروس كورونا يقتل البشر بطريقة الدخول إلى الخلايا وإحداث الفشل التنفسي والكلوي.
المركز الأوروبي رد على الأستاذ زكي مؤيداً بوجود فيروس كورونا بخلايا المريض التي أرسلت إليه. أما وزارة الصحة فأرسلت فريقاً بيروقراطياً للتحقيق من الأستاذ علي محمد زكي. أسباب التحقيق كانت للتحري، بعد صدور ورقة علمية في أوروبا عن ظهور مرض جديد سمّوه متلازمة MERS، يسببه فيروس محدد من فصيلة كورونا، بناءً على ما تم ذكره سابقاً من التفاصيل.
فريق التحقيق من وزارة الصحة وجه إلى الأستاذ علي محمد زكي تهمة تخطي الصلاحيات والأنظمة، وقيامه بإرسال عينات إلى طرف خارجي دون إذن.
الذي أعرفه كطبيب هو أن كل المستشفيات العامة والخاصة في المملكة ترسل بشكل روتيني وبالبريد الطبي عينات من بعض مرضاها إلى أوروبا وأمريكا، خصوصاً ألمانيا، لإجراء التحليلات التي لا نمتلك محلياً تقنياتها، بدون الحصول على إذن في كل مرة. لذلك لا أعرف أسباب وملابسات التحقيق مع الأستاذ المصري بالتهم الموجهة إليه.
يقول الأستاذ محمد علي زكي إن فريق التحقيق جعله يوقع على ملف تحقيق فارغ قبل البدء بالتحقيق. إن كان ذلك صحيحاً فهي جريمة خداع المتهم؛ بقصد الإيقاع به عن عمد وتحويله إلى كبش فداء لشيء ما، لا يزال مجهولاً. المهم، بعد التحقيق تم طي قيد الأستاذ المصري والاستغناء عن خدماته وتسفيره، أي طرده إلى بلده مصر. (انتهت القصة البوليسية).
الآن تبدأ الأسئلة، ولدي منها خمسة على الأقل:
أولاً: هل صحيح أن البعض من كبار العاملين في وزارة الصحة استغلوا اكتشاف الأستاذ المصري وقاموا بنشر أبحاث متشاركة بأسمائهم، أي استولوا على مجهوده العلمي فحصلوا على الشرف البحثي إضافة إلى المكافآت المالية؟ التحقيق بأثر رجعي في الموضوع على غاية الأهمية للسعودية بكامل مكوناتها، خصوصاً لوزارة الصحة ووزارة الخارجية ووزارة التعليم العالي.
ثانياً: لماذا استطاع الأستاذ علي محمد زكي إنجاز ما لم تستطعه كل الأجهزة البيروقراطية في الدولة؟
ثالثاً: لماذا لم يحضر مع الأستاذ المصري أثناء التحقيق شاهد أو محام ينصحه بعدم التوقيع على بياض؟
رابعاً: لماذا يستمر الصمت على انبعاث كل هذه الروائح الفاسدة من مراكز العفن المتجذرة في هذه الوزارة منذ عقود؟
خامساً: هل سوف يتم مستقبلاً التصرف بنفس الطريقة مع كل وباء جديد يجتاح هذه البلاد المفتوحة على كل الجهات الأربع. أذكر فقط بأعداد العمالة المستقدمة وأعداد الحجاج والزائرين الكبيرة، واستيراد الماشية بأنواعها من كل بقاع الأرض.
لا مزيد من الأسئلة.. هذا يكفي للعن الفساد والمفسدين وجميع المتنمين والمروجين له.