هكذا إذاً شاعت وذاعت مصطلحات «أهل الإسلام، المسلمون، المرتدون» في كتابات مؤرخي تلك المرحلة الصاخبة من نشأة الدولة السعودية ؛ فنجد المؤرخ النجدي الشيخ عثمان بن بشر المتوفى 1290هـ لا يتورع عن إطلاق «المسلمون» على المنتسبين إلى الدعوة السلفية، مما يوهم بأنه يرى أن من لا يذهب إلى ما يذهب إليه السلفيون غير مسلم، وهو وهم خاطئ، وسيأتي بيان ذلك وتفنيده من خلال تتبع معنى «المسلمون» المقصود، ومعنى «أهل الإسلام» أو جيوش الإسلام، ومعنى «العساكر والعسكر» وما إلى ذلك من المصطلحات التي دون بها المؤرخ ابن بشر قيام الحركة الإصلاحية السلفية وجهود أعدائها في حربها وذلك في كتابه الشهير «عنوان المجد في تاريخ نجد» بجزأيه، وهو وثيقة تاريخية نادرة لحركة الدولة الناشئة برؤية المتتبع الأمين، ونجد الأمر نفسه عند المؤرخ الإحسائي السلفي حسين بن غنام المتوفى 1225هـ في كتابه «روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام» فلا يجد ابن غنام حرجا في إطلاق كلمة «أهل الإسلام» أو «المسلمون» على أتباع الدعوة السلفية؛ بما يوحي بأنه أيضا يكاد ينزع الصفة الإسلامية من أعداء الدعوة السلفية الهادفة إلى إعلاء كلمة التوحيد وتصحيح مفهوم العقيدة تصحيحا يعود بها إلى المنابع الأولى المستمدة من الكتاب والسنة.
وإذا كان ابن غنام أو ابن بشر لا يريان بأسا في وصف أعداء الدعوة السلفية بأنهم غير مسلمين؛ فإنهما أيضا لا يتورعان في إطلاقهما كلمة «المرتدون» على أعداء الحركة من الداخل ممن قبلوا أفكار الحركة واتبعوا تعاليمها ثم انفضوا عنها وانقلبوا عليها؛ كما حدث ذلك بالفعل من أمراء قرى وبلدات عدة في نجد.
ولتحرير مصطلح «المسلمون» و«أهل الردة» ليس لنا بد من أن نتعايش مع مفهومات هذين المصطلحين السائدة في ذلك الزمان، أي في أواخر القرن الحادي عشر الهجري وما بعده إلى نهاية القرن الثالث عشر، وما ساد الجزيرة العربية من انحرافات في مفهوم التوحيد والشرك وما يتصل بهما من توسل ونذور مما أرخ له هذان المؤرخان وغيرهما ؛ فهما يعنيان أن من ناصر تنقية المفهوم العقدي من الانحراف فإنه سيكون مع أهل التوحيد، وأن من وقف عدوا لذلك فإنه سيكون في صف أهل البدع والخرافات، ويتبع ذلك أن من يغزو الدولة الناشئة التي قامت لتصحيح العقيدة ويسفك دم علمائها وفقهائها وحفظة كتاب الله لأهداف وغايات سياسية ؛ فإنه بلا شك سيكون عدوا لأهل الإسلام والعقيدة الصحيحة أو مرتدا عنها.
أبدا لم يكن تكفير من لا يؤمن بما تدعو إليه الحركة الإصلاحية السلفية سهلا؛ فهذا ابن عبد الوهاب نفسه يرفع صوته عاليا منكرا ذلك متبرئا منه ونافيا له في رسائله التي كتبها بأسلوب لا يخلو من الحدة والانفعال في الرد على خصومه ومخالفيه ؛ نجد ذلك في رسائله إلى أخيه سليمان، وإلى ابن سحيم، وابن عفالق، وابن عبد اللطيف، وابن مطلق، وابن جرجيس، وابن منصور، وغيرهم مما أورده عبد الرحمن بن قاسم في كتابه «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» واختار منها الدكتور ناصر الدين الأسد محقق «تاريخ ابن غنام» خمسين رسالة دون حذف أو تعديل وألحقها بتاريخ ابن غنام الذي طبعته دار الشروق ببيروت.
أما الردة المقصودة هنا فهي ردة سياسية أكثر من كونها ردة عقدية؛ وقد استخدم أعداء الدعوة السلفية مصطلح التكفير والردة وأوغلوا فيهما أكثر مما تجرأ على ذلك بعض المندفعين أو العوام من أتباع السلفية ؛ فالحرب الظالمة التي شنتها الدولة التركية على الدولة السعودية الأولى عن طريق واليها على مصر محمد علي باشا لم تنطلق إلا خوفا من أن تكتسح الدعوة السلفية العالم الإسلامي كله؛ مما يقوض أركان الدولة العثمانية ؛ فحاربتها إعلاميا بالتشويه وعسكريا بالغزو.