أجرى الزميل محمد الفيصل في عدد الأمس من صحيفة الجزيرة حواراً مهما مع محافظ التأمينات الاجتماعية سليمان القويز، تناول فيه بعض الملاحظات والانتقادات على أداء هذه المؤسسة، وليت الزميل يجري أيضاً حواراً مماثلا مع محافظ مؤسسة التقاعد، وهي الجهة المسؤولة عن الموظفين الحكوميين المدنيين والعسكريين، خاصة لما يتعرض له نظام التقاعد القديم من نقد مستمر، ولأنه لم يزل تحت الدراسة منذ عقود من السنوات!
ولعل أكثر ما يلفت الانتباه في حوار أي مسؤول هو الأرقام، لأنها لغة العصر الحديث، أما الكلام الإنشائي والوعود الخجولة، لم تعد تجدي، ولم يعد المواطن يستسلم لها، أو بمعنى آخر، يصدقها، ومعظم المسؤولين أدركوا هذا الأمر، فباتت تصريحاتهم وحواراتهم، لا تخلو من الأرقام والنسب المئوية، وذلك لإقناع القراء في العصر الرقمي الحديث.
من هنا، كانت إشارة محافظ التأمينات، أو هي ربما شكواه، أن ما يعادل 12% من المستفيدين أو أصحاب المعاشات هم من المتقاعدين مبكراً، وهذا أمر طبيعي، لكن المفاجأة أن هذه النسبة الصغيرة تستحوذ على 50% من إجمالي المعاشات الشهرية التي تدفعها المؤسسة، أي أن نصف هذه المعاشات الشهرية يتم دفعها لهذا الرقم الصغير، وهذه دلالة على ضخامة أعداد المشتركين في مؤسسة التأمينات، لكن السؤال المهم، هو كيف لو ازدادت نسبة المتقاعدين مبكراً، ووصلت مثلا 30% من أعداد المشتركين، ماذا ستفعل المؤسسة؟ هل ستعلن إفلاسها مثلا؟ رغم أنها تقتطع أرقاماً فلكية من المشتركين؟ ورغم أنها تقوم بإنشاء أبراج سكنية ومكتبية عملاقة في مختلف المدن الكبرى.
لا يخفى على أحد أنها لعبة صراع بين الشركات والمؤسسات الكبرى التي تدفع مبالغ طائلة لمؤسسة التأمينات شهريا، وبالتالي تشجع على تقاعد موظفيها مبكراً، كي ترفع عنها عبء الرواتب، خاصة لمن تدفع لهم أرقاماً شهرية كبيرة، بينما مؤسسة التأمينات لا تتمنى مثل هذا العبء، حتى ولو كانت كسبت الأموال الطائلة من هذه الشركات على مدى سنوات طويلة!
هي إذن لعبة صراع، وهروب من عبء مبالغ سيتم دفعها، وما ذكره معالي المحافظ، من أمثلة الدول الأوروبية، من رفع السن التقاعدي للموظف إلى 65 وقريبا إلى 67 عاماً، هو أمر لا يمكن تطبيقه على بلادنا، خاصة أننا لا نطبق كل أنظمة التقاعد في الخارج بكل امتيازاتها، بحجة أن ظروفنا تختلف عنهم، فمن المنطقي ألا نطبق ما يفيد المؤسسة فقط، ونستبعد ما ينفع الموظف، خاصة أن نسبة فئة الشباب في مجتمعنا، التي تفوق نصف شرائح المجتمع، تختلف جذرياً عنها في الدول المتقدمة، التي وصلت إلى مرحلة الشيخوخة.
ومع ذلك، كان في حديث المحافظ ملحوظة منطقية، وهي أن سن التقاعد لدينا حسب التقويم الميلادي هي 58 سنة، وليست 60 عاما، لاعتماد مؤسسات التقاعد على التاريخ الهجري فقط، الذي يزيد سنة كاملة كل ثلاثين عاماً تقريباً.
كنت تمنيت من المحاور الزميل الفيصل، في حواره التفصيلي المهم، سؤاله عن العلاقة بين هاتين المؤسستين، التقاعد والتأمينات، كيف هي، وإلى أين تسير؟ خاصة أن ثمة غموضاً في علاقة موظفي هذين القطاعين، العام والخاص، وكيفية انتقال المشتركين فيهما، من جهة إلى أخرى، بالذات مع عجز الموقعين الإلكترونيين الرسميين للمؤسستين عن نشر نظام التنقل بينهما بشفافية ووضوح.