في المقال السابق تحدَّثت حول محور الشكل والمضمون المختزل باللوحة التشكيلية واليوم سوف أكمل الجزء المفقود في ذات المحور وهو اللوحات المُشوَّهَة من وجهة نظر المُتلقِّي عندما تكون اللوحة من المدرسة التكعيبية أو السريالية أو غيرهما من المدارس الحديثة كونها لا تنتمي للمدرسة الواقعية أو الكلاسيكية.
هنا نجد أن المُتلقِّي العربي دون غيره من سائر الأمم يُحدّث ذاته فيقول: ما هذه اللخبطة التي لا تمَّت للجمال بصلة؟!... هذا الاستنتاج أو هذه المتاهة - إن جاز التعبير - لدى المُتلقِّي تذهب بنا إلى سؤالين: الأول؛ لماذا يرسم الفنان بهذه الطريقة أيًّا كانت من المدارس أو سَمَها ما شئت؟ ولماذا المُتلقِّي لم يستوعب ما يرمي إليه الفنان؟
من المؤكَّد أن الفنان قد رسم بطريقة ما خاصة به سماها بعض الناس تشويهًا، والبعض الآخر مدارس حديثة، فبيكاسو وسيلفادور دالي وغيرهما من التشكيليين الذين ابتدعوا التشويه للوحة، هذا التوجُّه الذي أعطى في الكثير من الأحيان جماليَّة فائقة عن الواقعية، وذهبوا بنا إلى عوالِمَ لا حدود لها مزيج بين الحلم والواقع والخيال، ولكنَّ هؤلاء الفنانين هم الشطحة..!! في عالم التشوه التشكيلي، واللوحة من منظورهم ليست مُجرَّد نقل لصورة الواقع بتفاصيلها الدقيقة، مُجرَّد مصورين لا أكثر، بقدر ما هي أفكار ورؤى تعكس مكنونات الفنان الثقافية لهذا المعنى أو تلك الفكرة، فجسّدوها بطريقتهم الخاصَّة غامضة غاضبة مزمجرة تفسر واقعًا رفضوا واقعيته عليهم.
نعود لسؤالنا الثاني: لماذا المُتلقِّي العربي دون غيره لم يستوعب ما يرمي إليه الفنان؟
لربما هذا التساؤل يحتاج إلى إجابة بحجم اُمَّتنا العربيَّة، ولكنني سأحاول الاجتهاد بقدر الإمكان، فالمسألة هنا مسألة تراكمية.. فالمتلقي لا يعي معنى الجمل إلا بالأبيض والأسود؛ أيّ إما أن تكون اللوحة جميلة، أو تكون مشوهة، هذا التخلف البصري الذي اكتسبه المُتلقِّي منذ الطفولة وتراكم معه بمرور سنوات العمر بدءًا بالمدرسة ومرورًا بالمنزل وتوقفًا عند المدينة وشوارعها حين يمر بنو إنسان بكلِّ تلك المراحل ما يجعلك لا تستغرب هذا الجهل البصري، عندما تزور أقرباءك وأصدقاءك في منازلهم لا تجد لوحة أو استنساخ من لوحة على أقل تقدير لتزيِّن مجالسهم فتيقن أننا ما زلنا نحيا بأعماق الفقر البصري.