لا يتوقف المتأمل بتجارب الفنانين في بعض الأقطار العربية باختلاف أجيالهم حين يجدها مترابطة وانسياقها بعضها على بعض فيدرك المطلع أو المهتم أن ثمة انسجاما واضحا بين تلك الأجيال مما أعطاها صفة التكامل التي تذهب بنا إلى أن ننتظر منهم ميلاد مرحلة مزدهرة بالفنون التشكيلية على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي.
ولكن، ما هو حاصل لدينا في المشهد التشكيلي السعودي هو عكس ذلك، بمعنى أن هناك فجوات بين الأجيال، بل أنها أبعد من ذلك لتكون صراعا وإقصاء للآخر، ومنها أضحت الحركة التشكيلية السعودية غير مترابطة بين الأجيال ومتناسقة إلا من بعض البعض الذين كانوا قبل أن يتوفاهم الله مقدمين مبادرين لإيصال تجاربهم للفنانيين الجدد، ويتمموا المسيرة تحت مبدأ الصدقة الجارية وهي علم يحتذى به، ومنهم ما زال على قيد الحياة يمارس هذا التفاعل بين الأجيال، ولعل المقام هنا يتسامى بذكر أسماء هؤلاء المتسامين فوق صفحات أفاق السماء، ومنهم المرحوم الفنان محمد الصندل من الأحساء والمرحوم الفنان عبدالله العبدالطيف من الدوادمي والمرحوم الفنان علي الدوسري من الشرقية، والفنان سعد العبيد الرياض، والفنان عبدالله الشلتي أبها، والفنان ناصر الرفاعي الرياض، والفنان صالح النقيدان القصيم، والفنان إبراهيم البواردي القصيم، والخطاط محمد جمعان الدمام، قد كانوا في سالف العهد مبدعين جدداً، والآن هم يقودون الحراك التشكيلي فهم أناس أعطوا هذا الفن الكثير من أوقاتهم ليجده الأجيال التي تليهم قاعدة صلبة يمكنهم السير على خطاهم، ولم يكونوا هؤلاء الذين تم ذكرهم كذلك المتقوقع على ذاته بحجة سر المهنة وهو بحقيقة الأمر ما هو الا نرجسي قد تضخمت الأنا لديه.
لربما هذا التشرذم الحاصل لدينا يعود لعدة أسباب، منها: عدم وجود كلية مختصة بالفنون الجميلة كتلك الكليات الموجودة بالجوار العربي، وعدم منح جمعية التشكيليين القدرة المادية لتكون في مقام كلية الفنون الجميلة مما أدى إلى نمو الحراك التشكيلي بشكل غير منظم أو مشوه، إن جاز التعبير.
والسباب الآخر هو بقيام الدولة الحديثة السعودية التي أخذت تبحث هنا أو هناك عن أي شيء يسمى بالفنان التشكيلي لتظهر بالمحافل الدولية أن لديها فنانين حتى وإن كان مجرد اسم فنان ليصبح هذا المجرد أو الحرفي الذي أصبح فنانا يقيم الوصاية على من يليه، وتظهر انبعاجاته النرجسية والفسيولوجية على الأجيال, وكبت الحرية الفكرية والفنية سبب رئيسي لذلك التشرذم فقد أضحى الفن التشكيلي بفلسفة واحدة لا ثاني لها كحال القناة الأولى السعودية.