هناك تحولات كبيرة على كافة المستويات، سواء على المستوى المجتمعي أو على مستوى تطور التكنولوجيا، وإذا كانت الجامعات الغربية تُتهم بأنها مثل الشركات التي تميل نحو التركيز على المكاسب قصيرة الأجل وأنها تصنع الأغنياء حول العلاقة بين الجامعة وقطاع التكنولوجيا، بينما جامعاتنا لم تفكر أن تميل، لا نحو التركيز على المكاسب قصيرة الأجل ولم تصنع غنياً ولا فقيراً حول العلاقة بين الجامعة وقطاع التكنولوجيا، بل هي بعيدة كل البعد عن متطلبات حاجات السوق المحلي الذي لا ينفصل عن السوق العالمي.
ويجادل البروفيسور هينسي خلال مقابلة له في مكتبه في جامعة ستانفورد، ويقول: نحن لا نريد طالباً في الهندسة يتخرج وهو لم يقرأ مسرحية لشكسبير، ولا نريد لطالب يتخرج من التاريخ أو الأدب الإنجليزي وهو لا يعرف شيئاً عن التكنولوجيا.
فالمعركة تبدو تحدياً، فهي تجري بين الحفاظ على رحابة تخصصات الجامعة، ولكنها تبدو في واقعها وكأنها معركة يقودها جندي غير مدرب على القتال في أرض المعركة، وهي معركة غير مناسبة للتحول الكبير الذي حدث في المجتمع، وتُعتبر الجامعات في أنحاء العالم ملاذاً لأبحاث في مجالات الطاقة والتكنولوجيا التي تحتاج إلى صبر ووقت طويل، وبذلك تُعتبر الجامعات المصدر الأساس في تطوير التقنيات ومصدراً أساسياً في بناء برامج عديدة، بل ويشارك طلاب الجامعة عادة في تطوير تلك التقنيات غير مقتصرة فقط على أعضاء مراكز البحث في الجامعة، فمثلاً طلاب جامعة إستانفورد توصلوا إلى بناء برنامج مفيد في الوسائط الإعلامية مثل سنابشات (تطبيق إرسال الصور الفورية، الذي أسسه طلاب الجامعة)، وبعد سنة حصل البرنامج على مليون مستخدم، وكانت تكاليف تطوير البرنامج منخفضة جداً مقارنة مع تطوير تكنولوجيا بطارية جديدة الذي يمكن أن يستغرق وقتاً طويلاً قد يصل إلى خمس سنوات وبتكاليف عالية، بينما كان تطوير برنامج (سنابشات) بتكاليف قليلة بل منخفضة جداً.
فأصبح دور الجامعات الجديد هو إعادة تشكيل المجال، وهو النوع الذي تتطلع إليه جميع الجامعات في الدول المتقدمة حتى تحافظ على استمرارية تقدم دولها من خلال تميزها، ولا يمكن تحقيق أهدافها إلا من خلال البحوث التي تُعتبر الركيزة الأساسية لأي تطور واكتشاف، وتعتبره هدفاً أساسياً لأي طموح يضعها على خارطة التنافس بين الجامعات، بجانب تركيز الجامعة على الحفاظ على التوازن بين جميع الاتجاهات المتعددة، على الرغم من حتمية قوى الشد المتوقعة من السوق المحلي، لذلك نلاحظ أن للجامعة رؤساء مجلس إدارة في الشركات سواء التابعة للجامعة أو التابعة للقطاع الخاص أو العام التي تُوثق العلاقة بين الجامعة والسوق والمجتمع.
وتشارك الجامعة في إدارة كل الأزمات الحادة والتغيرات الإستراتيجية الكبيرة التي تمر بها الدولة أو الاقتصاد المحلي من أجل مواجهتها ووضع الحلول المناسبة لها، وعادة ما تركز الجامعات على تقديم المساعدة لأصحاب المشاريع الناشئة ولا تكتفي بتلك المساهمة، بل تساهم الجامعة أيضاً في تجريب الأفكار الناشئة وهو يُعتبر نوعاً من التدريب في العالم الحقيقي الذي يغيب عن جامعاتنا، نتيجة ذلك يعاني مجتمعنا بسبب غياب الجامعة عن أداء دورها.. في العالم الحقيقي تعثر العديد من الشركات الناشئة والعديد من المشاريع التي تكلف الدولة خسائر كبيرة علاوة على انعكاسات تأخر تنفيذ تلك المشاريع على التنمية والمجتمع.
ومشاركة أعضاء هيئة التدريس كأعضاء في الإدارات رغم أن البعض يعتبره تضارب مصالح، ولكنه يكسبهم الخبرة ويتعلمون الكثير عن الامتياز التشغيلي والموارد البشرية، والتخطيط في خلافة المناصب، والابتكار، بل إن المشاركة في الشركات آلة ابتكار، وهذا بالتأكيد ما تفعله الجامعات في الدول المتقدمة أو تريد أن تكون عليه الجامعات، وكيفية الحفاظ على مركز الجامعة المتميز، وتفهم الجامعات ليس كل شيء تجربه سينجح، لكن عليهم أن يحاولوا ويجربوا.
فالجامعات ترى أن التكنولوجيا جزءٌ من التحديات التي تواجه الجامعات الحديثة، لكنها أيضاً هي جزء من الحل، وهي التي تجعل نطاق قدرات الطلاب واسعاً جداً، وحتى لا تجعل الجامعة خارج المساق يصعب السيطرة عليه، تركز الجامعة على بناء شيء يتميز بفاعلية أكبر وأكثر إقناعاً، بحيث يستطيع الطلاب بالفعل الحصول على تعليم أفضل يحتاجه سوق العمل.