دائماً ما يراهن المستثمرون على الأفكار الجيدة وعلى الفريق المكون من المواهب والخبرات العالية وتشجيع المكونات الأساسية التي تدعم ثقافة الابتكار القادرة على القيام بمشاريع رائدة، لكن مثل هذه المشاريع الرائدة هي بحاجة إلى مساعدة من قبل الدولة خصوصاً حينما تبدأ المشاريع كمشروع بحثي على الدولة أن تتولى تمويله.
فللدعم الحكومي دور كبير في احتضان الأفكار الجديدة التي يحصدها القطاع الخاص ومثل هذه المشروعات قادرة على تأسيس الشركات التي توفر فرص عمل في المستقبل.
وفي تقرير نشره المجلس القومي الأمريكي للأبحاث خلال عام 2012 في ثمانية من أشكال تكنولوجيا الحاسب من ضمنها الاتصالات الرقمية وقواعد البيانات ومعمارية الحاسوب والذكاء الاصطناعي في محاولة لتتبع الأبحاث الممولة من الحكومة من أجل التحول للاستخدام التجاري وحسب التقرير (استمرار الابتكار في تكنولوجيا المعلومات) الذي وجد أن جزءاً من العائدات التي يمكن أن تكون ثمرة بذرة البحث في 30 شركة شهيرة التي تدعمها الهيئات الحكومية بلغ إجمالي العائدات نحو 500 مليار سنوياً.
وبالنظر إلى أي شركة تعمل في تكنولوجيا المعلومات اليوم بدءاً بغوغل وإنتل وكوالكوم وصولاً إلى إنتل ومايكروسفت يمكن تتبع أشكال رئيسية من التكنولوجيا التي كانت ثمرة الاندماج الثري بين الجامعات الممولة من الحكومة الفيدرالية والبحث والتنمية في الولايات المتحدة.
ربما تبدو أهمية الأبحاث المدعومة من الحكومة على المدى الطويل صغيرة بينما هي في الحقيقة تعد قضية اقتصادية جديرة بأن تُؤخذ في الاعتبار وهي إحدى الخيارات الصعبة والمبادلات التي تواجه صنّاع السياسة والاقتصاد في السعودية وفي بقية دول الخليج في وضع دول الخليج على قطار التصنيع وتنويع مداخيل الدخل والخروج من النفق الضيق الذي فشلت جميع الخطط السابقة في التحرر من اقتصاد النفط كاقتصاد أحادي نتج عنه سلوكيات اقتصادية واجتماعية أدمنت عليه الحكومات في المنطقة.
فما زالت الحكومات في دول الخليج دولة رعاية فقط لكافة أفراد المجتمع وليس لفئات محدودة تستحق هذه الرعاية وفي نفس الوقت أدمن المجتمع كذلك على هذه الرعاية ومنذ اكتشاف النفط اعتمدت دول الخليج - حكومات وشعوباً - على مداخيل النفط وأصبحت المجتمعات الخليجية تعتمد على الوافدين حتى أصبحت مهنٌ محددة يرفض الخليجيون الاشتغال فيها وهي مقتصرة على الوافدين بعدما كان الخليجيون يشتغلون فيها قبل اكتشاف النفط.
واليوم تواجه الولايات المتحدة كيفية السيطرة على الموازنة بعد الأزمة المالية التي ألمّت بها وتتجه إلى خفض كبير في الإنفاق التقديري وشمل الخفض الإنفاق الفيدرالي على البحث والتنمية بما يزيد على 12 مليار دولار عام 2013 في المقابل تتجه الحكومة الفيدرالية إلى تمحيص هذه البرامج خصوصاً إذا لم ينتفع المجتمع بشكل كبير من هذا الإنفاق وتتجه الحكومة إلى دعم اقتصادات الابتكار من أجل الاستمرار في السباق والبقاء على عرش الابتكارات والتميز العالمي، وما زالت تعتبر الحكومة الأمريكية أهمية الدور الاستثنائي للعلم والتكنولوجيا في الاقتصاد.
وما زالت الولايات المتحدة تحتل المركز الـ 22 من بين 30 دولة في تمويل الجامعات للبحث والتنمية كجزء من إجمالي الناتج المحلي وهناك توجه نحو الاستثمار في الانتقال بنشاط الابتكار من التركيز المحض على العلوم إلى الاستخدام التجاري رغم أن خبراء الاقتصاد في الولايات المتحدة يتفقون على فائدة العلم المحض على الدولة بوجه عام حيث يعود بالنفع على المجتمع بأكمله لذا يستحق تمويلاً من الحكومة بلا استثناء ويقولون: لا تكن قصير النظر ربما يبدو خفض الإنفاق أمراً سهلاً الآن لكنك ستندم لاحقاً على عدم استثمار جزء صغير من أموال موازنة الحكومة الفيدرالية في البحث العلمي.
فسياسة الابتكار يجب أن تكون تعاوناً بين الحكومة والمؤسسات العاملة في الصناعة، ففي ألمانيا هناك شبكة مكونة من 60 مؤسسة (فرانهوفر) تحصل على 70 في المائة من تمويلها من الشركات و30 في المائة من الحكومات الفيدرالية وحكومات الولايات إنها شراكة ما بين القطاع الخاص والعام وهي من أسباب قوة التصنيع في ألمانيا رغم أن أجور عمال المصانع في ألمانيا أكبر من عمال الولايات المتحدة بـ 40 في المائة وبالفعل بدأت تتجه الولايات المتحدة للاقتداء بالنموذج الألماني وخططت لإنشاء 15 معهداً تعمل في مجال الابتكار في الصناعة والتعاون بين القطاعين العام والخاص باسم الشبكة القومية لابتكار التصنيع، بينما المبادرة الألمانية بدأت قبل أربعة عقود وتنمو بخطى ثابتة، فأين المبادرات الخليجية المماثلة؟.