قامت الأجهزة الحكومية المعنية مشكورة بعملية التصحيح قبل نحو عام؛ إذ صدر أمر سامٍ ببدء حملة ما يسمى بحملة التصحيح للعمالة المخالفة بالمملكة، من هاربة وسائبة ومتسترة ومتسللة (وغيرها من المصطلحات)، وذلك منذ نحو عام، ولمدة محددة، تم تمديدها، واستمرت بكثافة أشهراً عدة، ثم توقفت، أو لنقل بأنها خفتت، وإن كانت فيما يبدو أنها توقفت. فالعمالة السائبة عادت إلى الشوارع كما كانت، والمحال المقفلة فتحت، وأكثر من ذلك.. المتسولون كثروا بشكل غير معهود. ولا شك أن لهذه الحملة نتائج إيجابية و/ أو سلبية على مجتمعنا من نواح اجتماعية واقتصادية وأمنية.
ورغم مضي أكثر من عام إلا أنه حتى الآن لا توجد أرقام رسمية متوافق عليها من الجهات المختصة (ممثلة في وزارتَي الداخلية والعمل) حول أعداد العمالة الإجمالية بالمملكة، الرسمية والمخالفة؛ إذ يقال إن عدد العمالة الرسمية 8 ملايين عامل، وإن العمالة المخالفة نحو 7 ملايين عامل، أي أن بالمملكة نحو 15 مليون عامل، وهو رقم مخيف إن صحت هذه الأرقام. وفي تصريح لرجل الأعمال صالح كامل، فإن وجود 7 ملايين عامل مخالف أظهر عيوبنا، والعمالة مارست الابتزاز، هذا بالإضافة إلى ما تشير إليه السجلات الرسمية من وجود 8 ملايين عامل رسمي. (27 نوفمبر 2013).
وفي تصريحات لمسؤولين قالوا إنه خلال فترة التصحيح تم تجديد 3.8 مليون رخصة عمل و2.3 مليون تعديل مهنة (العربية نت 13 نوفمبر 2013). وهذه الأرقام قريبة من الرقم الذي ذكره رجل الأعمال من وجود 7 ملايين عامل مخالف!!
وبعدما ذُكر أعلاه، هل حققت الحملة أهدافها؟
سؤال كبير، والإجابة عنه من الجهات المسؤولة غير واضحة. ولكن بوصفي اقتصادياً أرى أن الحملة لم تحقق أهدافها بالقضاء على العمالة المخالفة بكل أشكالها، وإنما أثرت في الاقتصاد بشكل سلبي أكثر منه إيجابياً؛ إذ تأثرت القطاعات الاقتصادية بنسبة متفاوتة. ومن النتائج:
1. هناك نقص شديد في العمالة في بعض القطاعات، وبخاصة المقاولات والخدمات وفي قطاع الصناعة؛ إذ لم يتم تعويض المنشآت عن عمالتها الهاربة، وربط ذلك بنسبة السعودة، رغم أن معظم هذه الأعمال من الأعمال المتدنية التي لا يعمل بها السعوديون، وإنما يستقدمونهم ويؤجرونهم و/ أو يتسترون عليهم من جنسيات معينة، كالبنغالية، وذلك بحصول المواطن (أو المواطنة) على أكثر من سجل تجاري و/ أو فروع للسجل الواحد، وتأجيره من الباطن على العمالة الأجنبية التي غالباً ما تكون مخالفة.
2. ما زالت العمالة الأجنبية تمارس أعمالاً تجارية بالتستر وغيره، مثل البقالات واستئجار المزارع؛ إذ إن المستفيد الأكبر من المزارع بالمملكة حالياً هم الأجانب.
3. ارتفاع الأسعار بدون مبرر في بعض الأحيان بأكثر من 100 % في بعض الخدمات، مثل السباكة والكهرباء، رغم أن المؤسسات التي يعملون تحت اسمها أو باسمها لم تتأثر بالتصحيح، ونفس العمالة لم تنقص. وكمثال: يقول لك مواطن إنه طلب من إحدى المؤسسات إعادة تركيب مكيف صحراوي، الذي عادة لا تزيد تكلفة تركيبه على 120 ريالاً، وطلبوا منه أجرة عمالة 350 ريالاً، وبعد مفاوضات قبلوا بـ 250 ريالاً. أما في مجال المقاولات فقد ذكر أحد المقاولين أنه أوقف عمله بالكامل، ولا حتى بضعف السعر السابق، لعدم توافر العمالة!!
كما لوحظ في الآونة الأخيرة كثرة المتسولين على مستوى المملكة، من نساء ورجال وأطفال، في المساجد وعند السوبر ماركت وعند الإشارات (ليلاً ونهاراً). وغالباً هؤلاء من المتسللين الذين قد يشكلون خطراً أمنياً؛ إذ إنه يوجد متسللون لهم أهداف سياسية. وهنا لا أدري أين وزارة الشؤون الاجتماعية من هذه الظاهرة، وكذلك الجهات الأمنية؟ كما نلاحظ قيام عمال النظافة بالتسول (بشكل غير مباشر) أمام المنازل والمساجد، ولاحظت ذلك في كل من الرياض وجدة، وهذا موضوع أتمنى رفعه لسمو وزير الداخلية لاتخاذ ما يراه مناسباً.
أخيراً، وليس آخراً، حملة التصحيح لتنجح لا بد من تعاون جميع الجهات الرسمية والمواطنين، فالذين يشغّلون الهاربين والمتسللين، ويسكنونهم، هم المواطنون، والتعاون واجب وطني على الجميع. ويجب عدم التركيز على المؤسسات الصغيرة، والصغيرة فقط، ويجب إعطاؤها حاجتها من العمالة، وأن يتم تحديد نسب السعودة بشكل علمي ومنطقي، وعلى الأعمال التي يمكن أن يعمل بها المواطن فقط.
خير الكلام ما قلَّ ودلَّ
- قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ} (31) سورة الأعراف.
- كما قال تعالى {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} (8) سورة التكاثر.
- لاحظت في الآونة الأخيرة التوعية حول الإسراف الحاصل في مجتمعنا في الاستهلاك، خاصة الغذاء، والتنبيه عن نتائج ذلك؛ إذ إنه يقال إننا من الممكن أن نستغني عن نحو 50 % من المواد الغذائية التي نستهلكها وتذهب إلى براميل النفايات. إنها مسألة تربية، ثقافة ووعي، بالتعود على الاعتدال في المأكل والمشرب والملبس.
والله الموفق.