الزواج خطوة مصيرية في حياة الإنسان، بل هو نقطة تحول فيها، به تزداد المسؤولية الاجتماعية للفرد، وتتضاعف شبكة علاقاته الاجتماعية، وفاعليته في مجتمعه أيضًا، إذ يصبح منتجًا لأهم لبنة في معمار المجتمع.
ورغم ذلك فإننا - أفراداً ومجتمعات- لا نولي هذه الخطوة ما تستحقه من الاهتمام، ربما ظنًا منا أن الزواج مسألة فطرية لا تحتاج إلى دربة أو تدريب والنتيجة ما نراها، أسر مفككة، وأخرى متناحرة، وثالثة تخلو من المودة والرحمة وكلها تدفع بأبناء ينخرون في بنية المجتمع ويعيثون فيه فسادًا، ففاقد الشيء لا يعطيه، والأب والأم التعيسان في حياتهما الزوجية لن يقدما للمجتمع أبناء صالحين.
الزواج الصحي إذن - إذا جازت التسمية- شرط مسبق ليس فقط لسعادة الزوجين، بل لإصلاح المجتمع، ولا نقصد بالزواج الصحي خلو الزوجين من الأمراض، بل نجاحهما في بناء عش يقدم كل أغراض الزواج من المودة والرحمة والذرية الصالحة إلى تحقيق العفاف، وتدعيم التواصل بين العائلات.
يقول المثل السائر «العود يظهر من أول ركزة» أي تتضح قوته وصلابته، والزواج كذلك ينبني على السنة الأولى من عمره، فهي السنة المحك أو الفيصل في هذه الشراكة العمرية، فهي سنة استطلاع واستكشاف لهذه الحياة الجديدة، إنها سنة البناء والتأسيس أو سنة الخلاف والتفريق، فالأبحاث العلمية تقول إن 40 في المائة من حالات الطلاق تقع في تلك السنة، وأن الزوجين إذا اجتازا تلك السنة بما يصاحبها من مشكلات تحصنا -بإذن الله- ضد باقي مشكلات الحياة الزوجية.
ومن خلال عملي كمستشارة أسرية، الذي يتمثل في كثير من الأحيان الفصل في المنازعات بين الزوجين أو الصلح بينهما، ومن خلال الخبرة الشبة اليومية، يمكن الجزم بأن الطلاق عمومًا يكثر في الخمس السنوات الأولى من الزواج، وأن الزوجين إذا ما تغلبا على المشكلات التي تهدد علاقتهما في السنة الأولى من عمر زواجهما، يمكن التأكيد على أن مرحلة الخطر تم تجاوزها.
يكون تفكر الفتاة في الحياة الزوجية من منظور السهرات والحفلات والمشتريات والهدايا والحياة الجميلة الرغدة، ويفكر الفتى في شريكته أنها ستكون هادئة، مطيعة، رقيقة، متفانية في خدمته والقيام على راحته وسعادته، وعند الزواج يصطدم الطرفان اليافعان في بداية حياتهما الزوجية بالمسئوليات الملقاة على عاتقهما، فالرجل مطالب بالنفقات والالتزامات المادية، وتجهيز المنزل وإجابة الدعوات، وإقامة المأدبات والعزائم والواجبات الاجتماعية، وكذلك الزوجة الجدية فتفاجأ بالكم الهائل من الواجبات الزوجية والاجتماعية الواجبة عليها نحو زوجها وبيتها وأهل الزوج.
وتتعدد المسئوليات التي قد تكون أكبر من أن يتحملاها، فيصابا بخيبة الأمل والإحباط، وتكثر الصدامات والاختلافات بينهما وهما ما زالا على أعتاب حياة زوجية جديدة عليها، فالزوجة قد لا تحسن الاهتمام بشؤون المنزل ومعاملة أهل الزوج، والزوج قد يتهرب من الأعباء المادية والاجتماعية إلى الخروج والسهر مع الأصدقاء، لذا يحتاج الطرفان إلى التروي والصبر لمعالجة الأمور بحكمة وهدوء للوصول إلى الاستقرار والسعادة الأسرية.
وفي هذه المرحلة تبدأ الجوانب المتخفية في الشخصية تظهر وتنكشف، فيظهر الزوج أو الزوجة على شخصيته الحقيقية، ومن هنا تبدأ المشكلات فقد يكون الزوج أو الزوجة متعلقًا بشكل كبير بوالدته فلا يخفي عنها شيئًا ويكره الطرف الآخر ذلك، وقد يرى جوانب أخرى في شخصية شريكه لا يفضلها كعدم الاهتمام بشؤون المنزل والاعتماد على الخادمة أو الإسراف الزائد، لذا يحتاج الزوجان في بداية حياتهما إلى الحوار الهادئ والتفاهم للوصول إلى حلول لمشكلاتهما دون تدخل الأهل في حياتهما. ما يجب التأكيد عليه هو أن الحياة الأسرية والزوجية فن جدير بتعلم قواعده وأصوله، ولا بد من مناهج علمية في إطار علم النفس والاجتماع والدراسات الإسلامية ضمن المقررات الدراسية خلال كل مرحلة تعليمية، على أن يتم إثراء وإغناء هذه المناهج في المرحلة الجامعية، مع التركيز على القيم والسلوك الديني والاجتماعي الذي تدعو إليه الشريعة الإسلامية في هذا المضمار، ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة في تأسيس مؤسسة الزواج الناجعة بكل المقاييس.
وهنا أؤكد على مسألة مهمة هي أن مبدأ الحوار بين الزوجين يقصر المسافة بينهما، على أن يتم الإنصات واحترام الرأي، وأن يسعى كل طرف إلى كسب قلب الطرف الآخر لا كسب المواقف.