عندما تفتح المدارس أبوابها مستقبلة آلاف التلاميذ من مختلف المراحل الدراسية، فبينهم من يذهب إليها للمرة الأولى، ليبدأ مرحلة جديدة من حياته، مستيقظاً في الصباح الباكر ليرتدي زياً خاصاً لم يعتد عليه ويحمل حقيبة قد تثقل كاهله، متوجهاً بعيداً عن بيته وأمه وألعابه ورفاقه، حيث الوجوه الجديدة غير المألوفة من معلمين وطلاب، والمكان الجديد بأنظمته وتعليماته المقيدة للحرية أحياناً.
إنها تجربة جديدة يخوضها الطفل وحده بعد أن اعتاد أن تكون أمه إلى جانبه في كل أماكن تواجده، فهو بحاجة لفترة زمنية للتكيّف معها، فدفئ الأسرة يعني لهذا الطفل الأمن، والخروج عن هذا البيت يعني الخوف والقلق من المجهول الجديد، وليس ذلك بالأمر السهل على أطفال صغار كانوا منذ سنوات قليلة في أرحام أمهاتهم، وكذلك على الأمهات والآباء الذين يعتريهم القلق خوفاً عليهم، فيزداد خوفهم إذا شعروا أن طفلهم يرفض الذهاب إلى المدرسة، وبالتالي فإن البكاء والصراخ له مسوغ نفسي.
تشير الدراسات الاجتماعية حول هذا الموضوع إلى أن الطفل يرفض الذهاب إلى المدرسة لأنه يواجه للمرة الأولى في حياته مناخاً مختلفاً، فيه نظام مختلف، ومعاملة مختلفة ووجوه لم يألفها من قبل، فلا أحد يعرف اسمه ليناديه به، عندئذ قد يُصاب بمشاعر وأعراض كثيرة مثل الخوف والقلق وشحوب اللون وفقدان الشهية للطعام واضطرابات النوم، لذلك فإن ذهاب الطفل الصغير إلى المدرسة يشكل صدمة الانفصال عن الأسرة، وصدمة بالمكان الجديد بكل عناصره من أدوات وأشخاص يواجههم للمرة الأولى، وأشير هنا إلى أن للأم دوراً خاصاً في خلق هذا القلق في نفس الطفل وإطالة فترة تأقلمه مع جو المدرسة أو رفضه لها، وذلك حين تظهر مشاعر التخوّف المبالغ فيها تجاه ابنها، وتحذيره المستمر من رفاق السوء ونهيه عن الكثير من التصرفات، إضافة إلى ما سمعه الطفل واختزنه عن المدرسة من إخوته، كالعقاب الذي سوف يتعرض له من المعلم، والأنظمة والتعليمات الصارمة التي ينبغي عليه الالتزام بها، وقلة فترة اللعب وصعوبة الواجبات المدرسية وما تحتاجه من جهد، وما قد يعزِّز تلك التصورات في ذهن الطفل أو ينفيها هو الممارسة العملية الفعلية من قبل المعلم تجاه هذا الطالب الجديد، أما الخوف من الغرباء فقد يرجع إلى أن الطفل عند بداية التحاقه بالمدرسة يواجه للمرة الأولى في حياته عالماً متغيِّراً مليئاً بالأشخاص والغرباء الذين لم يألفهم من قبل، حيث كانت علاقته الاجتماعية محدودة ومحصورة في نطاق الأسرة والأقارب والجيران أحيانًا، هذا العالم الجديد مليء بالأوامر والنواهي والواجبات المدرسية المرهقة بالإضافة إلى تقييد حريته للمرة الأولى في حياته في الكلام والتعبير عمَّا يشعر به.
وأختم مقالي بإرشادات للمدرسة نفسها، فجميل أن تفتح مدارسنا أيام الإجازة الصيفية قبل بدء الدراسة بأسبوع واحد مع إيجاد آلية عمل تطوعية إشرافية من الوزارة لإقامة برامج منوَّعة جاذبة للبيئة التعليمية؛ مما يساعد في تقليل إهدار الأسابيع الدراسية في تأقلم الطفل مع مدرسته، مع إتاحة الفرصة للطفل ووالده من زيارتها والتعرّف على مدرسته ومرافقها، مع بقاء برنامجًا خاصًا للمستجدين بحيث يكون الأسبوع الأول ساعة واحدة يتخلله هدايا, والأسبوع الثاني نصف يوم يتخلله رياضة أو ألعاب منوَّعة, والأسبوع الثالث تتم قراءة قصص للأطفال وكذا الحاسب الآلي وهكذا. بالإضافة لعمل لوحة النجوم في المدرسة وهي عبارة عن لوحة مجدولة موضح فيها الأيام الدراسية، وتحت كل يوم عدة حقول، وتوضع نجمة لاصقة أو مخطوطة عند الأيام التي يحضر فيها الطفل للمدرسة ومكافأته على ذلك، ويا حبذا لو قام الطفل نفسه بوضع هذه النجوم حفزاً له على منافسة أقرانه، والحضور لليوم التالي لتكرار العملية، أما إرشادات للوالدين أن لا يخيفا الطفل بالمدرسة إما بشكل مباشر، أو غير مباشر كالقول بقي أسبوعان (يا ويلك), أو باقي أسبوع (ونضحك استهزاء)! والطقوس السنوية ليلة اليوم الأول الدراسي بتجهيز الشنط والدفاتر والأقلام، الابتعاد عن العقاب والتوبيخ بقول نام غدًا مدرسة! إيقاظ الطفل في صباح كل يوم مدرسي بهدوء مبتعداً عن عبارات: انهض بسرعة لقد تأخرت! أسرع وإلا عاقبتك المدرسة!