في الدول الأوروبية، تتراوح سن التقاعد النظامي بين الثانية والستين عاماً، والخامسة والستين عاماً، وذلك تبعا للدول وميزانياتها السنوية من جهة، وانخفاض معدلات البطالة وارتفاع معدل عمر الإنسان، الذي يقارب الرابعة والثمانين عاماً.
وفي المملكة التي يبلغ فيها معدل العمر خمسة وسبعين عاماً، ويفوق من هم في سن الشباب 60 في المائة من المجتمع السعودي، وبالتالي يزداد فيه معدل البطالة، ذلك المعدل الذي لم نستطع تحديده بعد، لاختلافه وتفاوته من جهة إلى أخرى، نفاجأ بأن مجلس الشورى يقوم بدراسة تمديد سن الإحالة على التقاعد، من سن الستين عاماً، إلى الثانية والستين، وكأننا إحدى الدول الأوروبية التي تريد الحفاظ على تمويل الميزانية، بعائد ضريبي محدد، تحصل عليه من زيادة سنتين أو خمس سنوات، ولا تعاني أصلا من توسع شريحة الشباب فيها كما في بلادنا.
ظل موظفو الدولة في قطاعيها المدني والعسكري ينتظرون إقرار مجلس الشورى دراسة زيادة مرتباتهم، ثم ظل المتقاعدون ينتظر الإعلان عن نظام التقاعد بثوبه الجديد، الذي لم يتغير منذ نصف قرن، بكل ما فيه من ملاحظات وسلبيات.
علينا أن ندرك أن لكل بلاد ظروفها على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، ففي حين تمتلك المملكة مكانة مالية متميزة، نتيجة وضعها الاقتصادي الجيد، خاصة أنها تحظى بفائض ميزانية منذ عدة سنوات، على الرغم من المشروعات الضخمة المنفذة أو قيد التنفيذ، كما أنها أساساً لا تفرض ضريبة دخل على الفرد، كي تقترح زيادة سن التقاعد النظامي سنتين أو خمساً، وتستفيد منها في دعم الميزانية، لذلك ليست هناك جدوى من هذه الزيادة!
من جانب آخر، كان على مجلس الشورى دراسة كل الطرق والوسائل التي تشجّع الموظف على التقاعد المبكر، لتوفير المزيد من الوظائف لجيل الشباب، كأن تدرس تخفيض السنوات الأربعين التي بموجبها يحصل المتقاعد على راتبه كاملاً، كأن تنقصها إلى خمسة وثلاثين عاماً للموظفين، وثلاثين عاماً للموظفات.
لو تم إقرار مثل هذا الأمر، وجعل السنوات الكاملة للخدمة خمسة وثلاثين عاماً، بدلاً من أربعين عاماً، فلنا أن نتخيل حجم الوظائف التي ستتوافر خلال عام أو عامين فقط، ولنا أن نتخيل حجم الوظائف المتاحة للمرأة، خاصة في سلك التعليم.
مثل هذه الأفكار يؤمن بها ويشجعها الشباب، لمنحهم حقهم في فرص العمل وخدمة الوطن، أما تمديد سن التقاعد النظامي، فأخشى أن من يؤمن به ويسعى إليه هم الكهول، وقد تلقى مثل هذه الأفكار هوى لدى أعضاء المجلس، خلافاً للنظر في تجديد الدماء الوظيفية، ودعم مختلف الجهات بالطاقات الشبابية التي تفتقدها!
رغم كل ملاحظاتنا على الموضوعات التي يتم تداولها تحت قبة المجلس، التي وإن سعت إلى مصلحة الوطن، إلا أنها تتردد كثيراً فيما يخص المواطن، ورغم إدراكنا بأن المجلس لا يمتلك صفة القرار، إلا أنه يمتلك التأثير عند التصويت على موضوع ما، لذا لا بد من تقديم خطة إستراتيجية لوضع وظائف القطاع العام، تناقش حاضرها، وتحدد مستقبلها.