لم تكن العلاقات السعودية الإمريكية، ورغم ما مرت به من فتور، خلال الأشهر الماضية، بسبب الموقف الإمريكي من عدد من القضايا الإقليمية، قد ضعفت كما يروّج بعض المتابعين أو المحللين السياسيين، خاصة في العالم العربي، ممن ينتظر، بشغف وتلهف، أن تضعف هذه العلاقات وتتباين المصالح المشتركة، معتقدين أن ذلك قد يقلل من الأهمية الإقليمية للمملكة، وقد فات على هؤلاء أن مكانة المملكة إقليمياً ليست ناتجة عن علاقاتها بالولايات المتحدة، بل إن حرص هذه الأخيرة على تعزيز العلاقات مع المملكة، ناتج لما تحتله المملكة من مكانة اقتصادية مؤثرة، ومكانة دينية كبيرة.
فالمملكة حتى وإن أصاب بعض الفتور علاقتها بالولايات المتحدة، تعتبر هي الشريك الإستراتيجي الأمثل لها في الشرق الأوسط، وهي الدولة الوحيدة في العالم، القادرة على تحقيق التوازن في السوق البترولية الدولية، وبالتالي هي مصدر الطاقة الآمن والموثوق في العالم، الذي تنظر له أمريكا بكل تقدير وثقة، لذلك ليس من السهل عليها التضحية بها، كما يظن بعض المتربصين في أنحاء العالم.
صحيح أن أمريكا نجحت في إنتاج الزيت الصخري، وصحيح أيضاً أن المملكة وجدت في الشرق سوقاً ناشئة تحتاج إلى المزيد من البترول والطاقة، لكن ذلك لا يعني تضارب المصالح بينهما، أو فتور العلاقات، بل إن الموقف الإمريكي المتردد في عدد من القضايا، كما في الموقف من سوريا، ومن القضية الفلسطينية، وكذلك الملف النووي الإيراني هو ما خلق هذا الفتور بينهما.
ولولا أهمية المملكة سياسياً واقتصادياً، ومكانتها الكبيرة إقليمياً وعالمياً، لما جاءت هذه الزيارة المهمة للرئيس الإمريكي، وفي هذا التوقيت بالذات، وذلك من أجل التفاهم حول عدد من الملفات العالقة، خاصة بعد الجولة اللافتة لسمو ولي العهد مؤخراً، في عدد من دول الشرق، كالصين واليابان وباكستان والهند، وتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع هذه الدول، بفتح نافذة جديدة وكبيرة ومضيئة تطل على الشرق.
وهي إشارة مهمة إلى أن المملكة قادرة على أن تفتح أي نافذة ترغب بها، ومتى شاءت، ومع ذلك لا يعني هذا أن نافذتها على الغرب مواربة، بل مفتوحة تماماً، ومتجددة الهواء، وذلك بالنظر إلى العلاقات التاريخية العميقة بين البلدين، والدليل الأكبر هو هذه الزيارة المهمة، للتحاور في هذه الموضوعات العالقة في الشرق الأوسط.
وبجانب زيارة ولي العهد للشرق، وإصدار قانون يحدد الجماعات الإرهابية بوضوح، وتحديد مستقبل البلاد سياسياً في تعيين النائب الثاني ولياً لولي العهد، كل هذه الخطوات الاستباقية تقود البلاد إلى المزيد من الاستقرار، ولعل زيارة الرئيس الأمريكي أخيراً تضع النقاط على حروف العلاقات الثنائية بين البلدين، والمصالح المشتركة بينهما، كحليفين إستراتيجيين لا يمكن أن يستغني أحدهما عن الآخر.