من يعتقد، أن من يصنف نفسه تحت مظلة جماعة، أو راية حزب، فقد جافى الحقيقة، وحاد عنها؛ لأن الحزبية دليل على أنها من أشد الموانع لقبول الحق، -ولذا- جاءت خطبة -سماحة الشيخ- عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ -مفتي عام السعودية- قبل أيام، مؤكدة على أن: «بعض الدعاة ينزلقون في منزلقات خطيرة، وذلك من خلال دعوته إلى جماعات، وأحزاب، وشخصيات، فلا يرى، ولا يسمع إلا ما يقولون، غاض الطرف عن أخطائهم»، واصفاً إياهم، بأنهم: «يظهرون ما لا يخفون، وأن دعواتهم مشبوهة، تحت مظلات مجهولة، وأن هؤلاء لهم أهداف سياسية تخدم أعداء الدين، وتفرق الأمة، متسترين تحت عباءة الدين، والدعوة».
وكأن مقياس الولاء، والبراء نحو هؤلاء، هو أن تكيل المدح لحزب ما، أو أن تغض الطرف عن مساوئ جماعة ما، أو أن تشغل الرأي العام عن جوهر مسائل النزاع إلى تعظيم الأشخاص، وتقديسهم، وتجييش الشارع، وتحريكه؛ لينسل العامة عن ربقة الوفاق؛ وليوهنوا حبل الاتحاد؛ وليتجاوزوا مرحلة انتقالية طابعها عدم الاستقرار، بعد أن صرفت أبصارهم عن ضوء الدليل، وحرية التفكير.
الحق يظهر جليا بين السطور، فالحزبية المقيتة تفرق، ولا تجمع. ونبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- قد برئ ممن فرق دينه، واحتزب. وما أجمل ما قاله - الإمام - الشاطبي - رحمه الله - في الاعتصام: «إن الفرقة لا تصير فرقة، إلا إذا: 1- تحزبت على أصل كلي مخالف لأهل السنة، والجماعة. 2- أو تحزبت على جزئيات كثيرة مخالفة، تقوم مقام الأصل الكلي. فمن سلم من الأمرين، كان له حق الولاء المبذول لأهل السنة».
بهذا التقرير المفصل، ندرك أن لزوم الجماعة على وفق الصواب، هو الأصل، وندرك -كذلك- تحريم الفرقة، التي تؤول بالأمة إلى التحزب المقيت، والصرف عن الهدى، والحق المبين، والتي تشم رائحتها من بعيد، بحكم طابعها الاجتماعي، وتكوينها الحركي، الذي يحكم وجودها داخل المجتمع، وبحكم استخدامها خطابات مزدوجة؛ حتى وإن حملت أسماء براقة؛ لكنها في حقيقتها تخدم أجندتها الخاصة، وأيديولوجيتها الحزبية؛ لتخرجهم -مع الأسف- إلى الفرقة بعد الألفة، وإلى الاختلاف بعد الائتلاف، فما أقبحها من منهج، وما أسوأها من مبدأ.