في الأسابيع القليلة الماضية، ركَّزت وسائل الإعلام حول العالم اهتماماتها على الأزمة السياسيَّة القائمة بين أوكرانيا وروسيا التي سببت ارتباكًا في معظم الأسواق الماليَّة العالميَّة (بما فيها السوق الماليَّة السعوديَّة)، وكادت أن تُؤدِّي إلى حرب بين البلدين، بينما لا تزال هذه الأزمة قائمة حتَّى الآن ولا ندري إلى أين ستتجه في المستقبل القريب؟
هنا أنا لن أتطرَّق للجانب السياسي لأني لا أفهمه، لكني سأتطرَّق للجانب الاقتصادي في محاولة لفهم: هل ستستفيد سوق الأسهم السعوديَّة من هذه الأزمة وكيف؟
بداية، يجب أن ندرك حقيقة أن الاقتصاد العالمي يومًا بعد يوم أصبح «قرية صغيرة» يتأثّر ببعضه البعض مهما كانت المسافات الجغرافية بعيدة وما يؤكّد ذلك تحرُّك الأسواق الماليَّة حول العالم ككتلة واحدة منذ بداية هذا العام مع أزمة عملات بعض الدول الناشئة ومع الأزمة الأوكرانية، وما يهم سوق الأسهم السعوديَّة من هذه الأزمة هو تأثيراتها الحالية والمتوقعة مستقبلاً على أسواق النفط والغاز الطّبيعي، حيث بدا واضحًا أنّه سيكون لهذه الأزمة تأثيرات متوقعة وربما كبيرة على أسعار الطاقة وتحديدًا أسعار الغاز الطّبيعي بحكم أن روسيا تمد عبر أوكرانيا نحو 25 بالمئة من احتياج أوروبا من الغاز الطّبيعي وهي بالتأكيد نسبة لا يستهان بها ويصعب تعويضها.
في نفس السياق، نجد أن الشركة الروسية العملاقة «غاز بروم» أعلنت عن نيتها إيقاف العمل بخصم سعر الغاز الذي تمنحه لأوكرانيا منذ عام 2009م والبالغ نحو 30 بالمئة اعتبارًا من شهر أبريل القادم مطالبة الحكومة الأوكرانية بسداد جميع المبالغ المتأخرة السداد والبالغة نحو 1.9 مليار دولار، ثمَّ بعد ذلك بأيام قليلة أعلنت الشركة مرة أخرى بأنها قد تلجأ إلى إيقاف إمداد أوكرانيا بالغاز إذا لم يتم تسديد المبالغ المتأخرة كاملة مع اعتماد آلية التسديد المبكر لأيِّ طلبيات جديدة بالأسعار العالميَّة دون أيّ خصم. ما يهمنا أنّه في حال تنفيذ هذه التهديدات فإنّ أسعار النفط والغاز الطّبيعي ستشهد ارتفاعات قوية بالرغم من التطمينات حول حجم المخزونات الأوروبيَّة لأنّها حتمًا لن تصمد لفترة زمنية طويلة.
بالنسبة لسوق الأسهم السعوديَّة، يجب أن ندرك أنّه في حال نفذت شركة «غاز بروم» تهديداتها فإنَّ الارتفاعات المتوقعة في أسعار الغاز الطّبيعي ستعطي أفضلية كبيرة لصناعة البتروكيماويات في المملكة لأنّها وببساطة ستستفيد من هذه الارتفاعات لتحسين هوامش الربحية وهذا التأكيد سيعطي دفعة قوية لأسعار أسهم الشركات البتروكيماوية في السوق. أما ما يتعلّق بأسعار النفط، فالواضح لنا أن أسعار النفط WTI ارتفعت مجدَّدًا مع نشوء الأزمة الأوكرانية لما فوق 100 دولار مما يدل على حساسية أعلى من أسعار الغاز وإذا ما استمر الوضع على ما عليه فإننا سنشهد مواصلة في ارتفاع الأسعار وهذا أيْضًا سيعطي دفعة قوية لاقتصاد المملكة وإيجابيًّا جدًا لسوق الأسهم السعوديَّة بشكل عام.