إن الغاية الدنيئة السافلة التي يرمي إليها الحزبيون ومن لف لفهم من المتطلعين إلى التغيير لذاته ركوبا على الموجة واستجابة نفسية غبية لدواعي الأحداث السياسية التي تمر بها الأقطار العربية في مرحلة ما يسمى بالربيع العربي «وهو في حقيقته: الدمار العربي» قد انكشفت وأسفرت عن وجهها القبيح بما لا يدع أي مجال للشك في الأهداف الحمقاء التي يتطلعون إلى تحقيقها؛ لتُدخل بلادنا في حلبة الفوضى والتدمير العاصفة التي نتفرج عليها الآن بألم وحسرة؛ لما يعانيه إخواننا وأشقاؤنا في عدد من الدول العربية التي ابتليت بالخريف العربي الدموي الأحمر!
ولنأت الآن إلى ما يطنطن به الحزبيون في ذم وقدح منهج من ينعتونهم بالجاميين: فما يصف به الفوضويون وراغبو التغيير كل وطني أو مخلص لبلاده ومدافع عن قيادتها بأنه «منافق» أو «وصولي» أو « مرتزق» أو «مداهن» أو من «مشايخ السلطة» وما إلى ذلك من أوصاف انتحلوها وألصقوها بكل من لا يتفق معهم في منهجهم التقويضي الهدام؛ لم ينطلق من فراغ، ولم يأت هكذا وليد لحظة فكرية عابرة أو موقف نقدي مؤقت ساخط؛ بل هو موقف فكري سياسي مدروس يراد منه الضرب المستمر والمتوصل بدون كلل ولا ملل في بنية الدولة وفض العلاقة الوثيقة بين السياسي والشرعي ؛ ليظل الأول في العراء؛ فلا يجد من يمنحه التأييد الشرعي، وليكون الثاني وحيدا بدون حام سياسي ؛ فيسهل نهشه وافتراسه وإراقة دمه على رؤوس الأشهاد!
هكذا يخطط التقويضيون والفوضويون لبلادنا، فأي حريص على وحدة الوطن وتلاحم أبنائه مع قيادته وصولي مرتزق مداهن طامع في منصب أو مال أو جاه! وأي عالم دين يقول كلمة حق مخلصة صادقة لأهله يريد بها وجه الله وإبراء الذمة شيخ سلطة منافق منتفع، أو خائف لا يملك الشجاعة على إعلان موقفه الحقيقي من الأحداث والمستجدات!
يعمل الحزبيون من الإخوان وغيرهم على السعي إلى هدم هذا البنيان الصامد بين السياسي والشرعي لما يقرب من ثلاثة قرون بالفصل بينهما وإشاعة الضغينة والفرقة ، ودق إسفين الخلاف بين المنتمين إلى طبقة علماء الدين، وتكوين جماعة دخيلة على العلم الشرعي تتمسح به وتظهر في خطابها اتكاءها على بعض الرؤى الشرعية من هنا وهناك للتدليس على العامة واكتساب مصداقية لديهم ؛ بينما لا يخفى على ذي لب بصير تقلبهم وازدواجيتهم وموالاتهم أعداء الدين من العسكر الطغاة كالهالك القذافي الذي خطب أحدهم في مسجده بعد أن دعاه ليشد به عضده حين حاقت به الدوائر وأدخله إلى السجون والمعتقلات في طرابلس لمناصحة الثائرين عليه وردهم إلى منهج السلف كما كان يتوهم العقيد!
وهكذا فعل آخر حين رحل إلى مصر وخطب في مساجدها بعد أن اعتلت الجماعة هرم السلطة ؛ وما رحيله إلا موقف ضمني مؤيد بصورة أو بأخرى لتجربة الجماعة التي كانت في عز نشوتها بتكرارها في أقطار أخرى!
هم حزبيون متلونون، لم يعد يخفى منهجهم ، وقد انكشفت أوراقهم موقفا إثر موقف ، وسنة بعد أخرى، من خلال اندفاعهم الأحمق مع اشتعال ما سمي بالربيع العربي وتضامنهم مع مقدماته التي يعلم بعضهم من الراسخين في علم الجماعة وصلاتها التنظيمية مع دول أجنبية كبرى ما توعد به المنطقة العربية من خطط تغيير، وكانوا يمهدون لذلك ويؤسسون له من خلال نشاطاتهم الفكرية المحمومة وأكاديمياتهم ورحلاتهم المشبوهة إلى الشرق والغرب وغيرها من التحركات التي لم تكن تخفى على المتابع الحصيف ؛ فكيف بأجهزة الدولة التي ترصد المشبوهين وذوي السوابق الفكرية؟!.
إن الاتهام بـ»الجامية» اعتراف مكشوف من المتهم إلى المتهَم بأن الأول حزبي تقويضي هدام وأن الثاني وطني مخلص صادق الولاء والانتماء!
الاتهام بالجامية شرف كبير يعتز به كل من وجهت إليه تهمة «الجامية» لأنها تعني الصدق والإخلاص وحب الوطن والذود عن وحدته وأمنه واستقراره.