سبق وأن كتبت ولأكثر من مرة عن موضوع الهدر غير المبرر في استخدام الطاقة الكهربائية في المساجد، حيث يتم تشغيل كافة مكيفات المسجد طوال ساعات اليوم، وقد أكَّد ذلك ما سبق أن صرح به معالي وزير المياه والكهرباء من أن نسبة الهدر في الكهرباء في مساجد وجوامع المملكة تصل إلى نحو 70 في المئة وقد أدَّى ذلك السلوك التبذير في استخدام الكهرباء لدينا إلى ارتفاع معدلات استهلاك الكهرباء في المملكة حيث ينمو بمعدل 11 في المئة سنويًّا في حين أن متوسط النمو العالمي في استهلاك الكهرباء هو 3.5 في المئة.
في منتصف عام 2010م، أعلن القائمون على جامع الفاروق في الرياض قيامهم بفصل الصفوف الأمامية في المسجد عن بقية الصفوف بجدار زجاجي يسمح برؤية الصفوف، وقد أدَّى ذلك إلى الاكتفاء بتشغيل (8) مكيفات فقط بدلاً من (27) سبعة وعشرين مكيفًا، وقد أدَّى هذا الترشيد في استخدام الكهرباء من قبل القائمين على المسجد إلى تحقيق وفر مقداره أكثر من (68 في المئة) من الطاقة الكهربائية.
وتعليقًا على ما تَمّ في جامع الفاروق من سلوك ترشيدي في استخدام الكهرباء، كتبت مقالاً في هذه الزاوية بتاريخ 20-9-2010م بعنوان (جامع الفاروق مثال يحتذى به)، وقد طالبت من خلال هذا المقال بسرعة التحرك لوضع مثل هذا الجدار الزجاجي في جميع مساجد وجوامع المملكة، وطالبت بتشكيل لجنة من وزارة الشؤون الإسلاميَّة ووزارة الكهرباء والمياه برئاسة الوزارتين ومشاركة الشركة السعوديَّة للكهرباء، ووضع برنامج يتم من خلاله تركيب الجدار الزجاجي في جميع المساجد خلال خمس سنوات.
الأمر المحزن، أنّه وبعد مرور أربع سنوات على تلك المطالبات بتركيب الجدار الزجاجي في جميع المساجد في المملكة التي يتجاوز عددها التسعين ألفًا (90000) مسجد، نجد أن عددًا من الصحف قد نشرت الأسبوع الماضي خبرًا بعنوان (قواطع زجاجيه لـ23 مسجدًا وجامعًا بالقصيم) وقد تَضمَّن الخبر تصريحًا لمدير فرع وزارة الشؤون الإسلاميَّة بمنطقة القصيم، حيث أوضح أن (23) مسجدًا وجامعًا بمنطقة القصيم قد اكتمل تنفيذ تركيب القواطع الزجاجية فيها كمرحلة أولى، موضحًا سعادته بأن ذلك يأتي ضمن سياسة الوزارة الهادفة إلى ترشيد استهلاك الكهرباء، ومتناسيًا سعادته أن عدد المساجد والجوامع في منطقة القصيم يزيد على السبعة آلاف ومائتين مسجد (7200)، فأي ترشيد للكهرباء يتحدث عنه سعادته، وهو لم يُنفّذ سوى ما يعادل نقطة في بحر قياسًا إلى إجمالي المساجد في المنطقة، وكنت والله أتمنَّى لو أن سعادته لم يصرح بذلك، لأن ذلك يحسب على الوزارة ولا يسجل لها.
مرة أخرى بدلاً من تحرك كل من وزارة الكهرباء والمياه ووزارة الشؤون الإسلاميَّة بالتحرك العاجل لاحتواء مشكلة الهدر في استخدام الكهرباء في جميع مساجد المملكة، نجد أن الوزارتين لم تأخذا الأمر على محمل الجد على الرغم من أهميته حيث إنه لا يعني سواء هدرًا للمال العام، ولذا لا نملك سوى أن نترحم على المال العام، حيث لا يعقل أن تصل درجة الهدر واللا مبالاة في بعض أجهزتنا الحكوميَّة بالمال العام إلى هذه الدرجة.