«الوطن ».. يحتلُّ في قَلْبَيْ صاحبِ السموِّ الملكيِّ الأمير خالد ابن بندر بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة الرياض، وسمو نائبه تركي بن عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظهما الله - مكانةً خاصةً حميمية جعلتْ من هذا الوطن الأنموذج مِحْورَ اهتماماتِهما ورعايتهما عبْرَ الحملة الوطنية الشاملة التي تنظِّمُها إمارة الرياض وتستمرُّ فعالياتها لمدة عام تحت عنوان « وطننا أمانة « والتي تمَّ تدشينُها يوم الأحد 15 جمادى الأولى 1435هـ، وذلك في مركز الملك فهد الثقافي.. فنظرةُ سموهما إلى « الوطن «.. هي في الواقع رؤيةٌ متكاملةٌ مليئةٌ بالإيحاءاتِ والمضامين الرُّوحيّة والتاريخية.. فـ « الوطن « إلى جانب مكانته الإسلامية ونفحاته الروْحانية الكريمة، يمثِّلُ بالنسبة لهم رمْزاً لحضارةٍ عريقة قامتْ على هدى السماء وتعاليمها، وصنعتْ مجداً رفيعاً أجبر الدنيا كلها على احترامه.
إنهم يرون - سلّمهم الله - في « الوطن «.. تاريخاً عريقاً زاهراً، يستلهمون منه قيم الحق والفضيلة والعدل.. وفيه يستشعرون عظمة النعمة السماوية على هذه البلاد التي كانَ لها نشر الرسالة الخاتمة والعدالة والتسامح.
إنَّهم يجدون في « الوطن «.. كلَّ هذا العبق التاريخي.. وهم يدركون أنّه امتداد لذلك التاريخ ووريثه الذي حمل مشاعلَ النورِ والهدايةِ والقيم النبيلة إلى مجاهل الضلال والتخلُّف في أقصى بقاع الأرض.
إنَّهم يجدون في « الوطن «.. المؤسس الملك عبدالعزيز - طيَّب الله ثراه - الذي انطلق في مشروع الوحدة الوطنية التي جنيْنا ثمارها لأكثر من مئة عام، وما دورُ بلادنا وقيادتنا - أيَّدها الله - وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وسمو النائب الثاني صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز - أعزَّهم الله جميعاً - إلا امتداد لتلك المسؤولية واستمرارية لتلك الرسالة التي ستبْقى دائماً مصدر اعتزازِنا وفخرِنا.
« الوطن « في رؤية أميري الرياض - حقَّق الله طموحاتهم ـ.. يعني كل ذلك وأكثر.. فهو بكل ما يحفُّه من قدسيةٍ وتشريف يمثل ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.. إنّه مصدر قوة لا ينفد أبداً، تتضاءل أمامَه كل الإمكانات والقدرات المادية، وهو مصدرُ وُحْدَةٍ تتجاوزُ كل الحدود الجغرافية لتشملَ القلوب المؤمنة بعقيدة الإسلام في كلِّ مكان، وهو قبل ذلك وبعده جَوْهرُ سياستِنا ومبادئِنا وأخلاقيّاتِنا.
لقد اختارَ صاحبُ السموِّ الملكي الأمير خالد بن بندر بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة الرياض وسمو نائبه تركي بن عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - سَدَّد الله آراءَهم - عنوان « وطننا أمانة « للحملة الوطنية الشاملة تلك ؛ تأكيداً لهذا الإدراكِ العميق ليصبح العامُ وفي كلّ عامٍ مثْلَ هذا العام هو أصداءُ العمْق في التجاوب مع تلْك الركائزِ الهامّة والعظيمة التي قامتْ فوقها: نهضةُ هذا « الوطن «، وتقدمه.. يطمح إلى مزيدٍ من أماني الإنسان فوْق أرضه، وارتباطاً بتاريخه.
وهكذا.. يقفُ بذلك العنوان « وطننا أمانة « كلُّ مواطن على هذا « الوطن « الطيِّب المعطاء، وهو يواكبُ بشعورِه، وبجهدِه، وبعرقِه، وبعلمِه، وبخبراتِه، وبانتمائِه.. كل الأبعادِ الهائلة لحجْم الإنجازات الضخمة من المُنطلقات التنموية والحضارية والعلمية والصناعية والاقتصادية والزراعية.. نستطيعُ أنْ نتلمَّسها منْ شواهد عديدة.
في القراءات المُتعمِّقة لخطابات الأمير خالد بن بندر - يحفظه الله - المتتالية: نستنبط منْ معانيها، ومراميها، وأبعادها.. نقطةَ الضوء التي انتشرتْ إلى كلِّ المسافات وفوق كلِّ المساحات، التي هي ضميرُ هذا « الوطن « وأفعاله وعلاقاته وخلائقه، وذلك بالالتزام بالشريعة منهجاً وسلوكاً، حيث قال في إحدى المناسبات: « نحمد المولى عز وجل أن أنعم علينا في هذه البلاد العزيزة بلاد الحرمين الشريفين بقيادة كريمة رفعت راية التوحيد واعتمدت القرآن العظيم وسنة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم دستوراً لا تحيد عنه منذ قيام هذه الدولة المباركة الأولى، ثم جاء دور الملك عبدالعزيز - طيّب الله ثراه - فجّدد لهذه الأمة شبابها وأرسى منطلقات نهضتها وسار على العهد والنهج من بعده أبناؤه الملوك حتى هذا العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين سيدي الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - فكانت بحمد الله هذه النهضة الكبرى التي تتطلب منا الحمد والشكر والعمل الجاد للمحافظة عليها «. إنَّه هذا الوطن.. الذي قال فيه الأمير خالد: « إنَّنا نعيش تحت ظلال شريعتنا السمحة، شريعة الخير والبركة من كتاب الله وسنة رسوله». إنَّه هذا « الوطن «.. الذي قال فيه أيضاً: « الحمد لله نحن لحمة واحدة ووطن واحد وندافع ونستميت في سبيل الله ثم في سبيل وحدة هذه البلاد». وهو هذا « الوطن «.. الذي يشْرئِبُّ إلى اجتلاء وجْه الأمل في صناعة مستقبله المنتظر. إذْ قال - يحفظه الله -: « البلد بحاجة لكل مواطن للعمل وبذل ما يستطيع من قوة للنهوض به والإسهام في تنميته».
وفي تلك الأصداء.. فإنَّ كل وطنيٍّ أصغى إلى كلمات الأمير خالد: لابدّ أنْ يفخرَ بانتمائه لهذا الوطن.. وطنِ العزة الذي ينبغي له أنْ يحافظ على تماسكه ؛ ليتواصلَ شموخه بمِيَز القيم والعملِ والإرادةِ والإنجاز.
وفي أصداء « تأكيد « سموِّ الأمير خالد، حين اجتماعه بفريق عمل الحملة بحضور صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن عبدالله بن عبدالعزيز نائب أمير المنطقة المشرف العام على الحملة، في قصر الحكم، على ضرورة تقديم برامج ونشاطات تعزِّزُ حبَّ الوطن بقيمه الاجتماعية في نفوس الناشئة بالشكل الذي يتناسب مع الفئات والأعمار, وتأكيده على أنَّ هذا واجب لا يختصُّ به أفراد دون غيرهم، بل هو مسؤولية الجميع.. فإنَّ كل مواطن أصغى إلى كلمات الأمير خالد أيضاً تلك لابد أنْ يتفهَّم دورهُ في البناء وفي المساعدة على نجاح القيادة في تفعيلِ آمال البناء. وبهذه النظرة العميقة: حثَّ سموه - رعاهُ الله - الجميع على بذل الجهود لخدمةِ هذا الوطن الذي نفخر به - كما وصَفه - بأنَّه حاضنٌ لأطهر بقاع الأرض (مكة المكرمة والمدينة المنورة).
حقيقةً أنا لا أتصوَّرُ أنّ أحداً من المواطنين، ومن مواطني منطقة الرياض بخاصة ومن القرّاء والجمهور بعامة لا يعي ولا يُدْرك ولا يستحضر تلك الإضاءات المعرفية والتاريخية التي كانتْ تنبثقُ من كلمته التي قالها - سلّمه الله - في كلمة له منشورة بمناسبة تدشين الحملة: «عندما تحتفل الشعوب بمنجزاتها ومكتسباتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، فإنَّ ذلك لا يعني الاحتفال بالأيام والسنين، ولا يقتصر على يوم بعينه أو فعاليات بعينها، فنحن نفخر بالانتماء لهذا الوطن الغالي ونحتفي كل عام بذكرى توحيد مملكتنا الحبيبة على يد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، وما شهدته من تقدم وازدهار على يد أبناء الملك المؤسس حتى هذا العهد الزاهر عهد سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - لكن احتفالنا بوحدة الوطن وتوحيده يذكرنا في كل وقت وحين بقيمة هذا الوطن ومكانته التي تربع عليها بفضل الله ثم بفضل إخلاص قادة هذه البلاد وسعيهم الدؤوب لمصلحته ونهضة شعبهم وتحقيق تطلعاته، إذن فالشعور بقيمة هذا الوطن وتاريخه الناصع وخصوصيته الدينية والعربية ومكانته العالمية، وتمتع مواطنيه ومقيميه وزواره بأمنه واستقراره والنعم العظيمة التي أفاء الله بها على مملكتنا الغالية، كل ذلك وغيره يجعل (وطننا أمانة) بالفعل، نسعى جميعاً للحفاظ عليه وحماية مكتسباته، والعمل بإخلاص لتقدمه ودفع الشرور عنه».
الأميرُ خالد بن بندر - حفظه الله - أفْصَحَ برؤيته الصائبة والرشيدة عن الجوانب العامة من هاجِس الوطن - الذي هو هاجس الحملة - الذي يشْغل فِكْره، خصوصاً في هذا الوقت الراهن ؛ الذي يأتي في غمْرةِ الأعاصير والأهواء وفي هذا الثبات بالاستقرار - رغم كيد الكائدين والمتلوِّنين -، وتلك الجوانبُ حقيقةً أَعُدُّها مؤشراً واضِحاً وجليّاً على شمولية وامتداد فكْر الأمير خالد وسموِّ تطلعاته المنسجمة مع ضرورات المرحلة، من خلال كما قال - وفقهُ الله -: « دعم السلوكيات الإيجابية وتشجيعها، وبيان ما هو سلبي منها ودحره وإنكاره، وتطوير القدرات الذاتية لدى الأفراد، وتعزيز مفاهيم الانتماء لوطنهم والانضباط بالنظام والتعليمات التي تحقق المصلحة العامة للجميع.
فالصدق والأمانة والشجاعة الأدبية والولاء وتحمّل المسؤولية ؛ كلها قيم يكتسبها الفرد من المجتمع الذي يعيش فيه، ولهذا فإن شعور كل فرد في المجتمع بقيمة بلده ومكانته وتاريخه الحافل بالأمجاد وحاضره الزاهر بالمنجزات، وتمتعه بالأمن والرخاء في هذا الوطن، كل ذلك وغيره يرسخ قيم المواطنة، ويجعل الجميع يعيش حقيقة الحب الذي يحمله المواطن بين جوانحه لبلده وقيادته وإخوانه الذين يشاركونه هذه المواطنة وتجعلنا نوقن حقاً بأن وطننا أمانة».
وفي الوقتِ ذاتِه، الأمير خالد بن بندر يمْلكُ طموحاً لا حدَّ له لمنح الحملة وَهَجَاً من النجاح والإضافة في الأدوار التنويرية - ونحن متفقون مع سمو الأمير خالد - حينما قال: « لا نريد لهذه الحملة الشاملة لتعزيز القيم الوطنية أن تتوقف عن حدود هذه الجهود الإعلامية والتوعوية والدعوية والتربوية، وهي جهود عظيمة ومشكورة وبإذن الله تؤتي ثمارها المرجوة، لكن لا ننسى دور المواطن في هذه الحملة والمشاركة فيها والاستفادة منها، وتهيئة الأجواء النفسية والأسرية لمعايشة فعاليات الحملة التي تستهدف كل شرائح المجتمع، وكل فئاته ومناطقه ومدنه وحتى الغائب عن الوطن لظروف عمله في الخارج أو دراسته تعنيه هذه الحملة. فالقيم واحدة لا تتجزأ والوطن واحد بتاريخه وجغرافيته، وهذه الحملة الشاملة تذكر الناس وتعيش معهم عاماً كاملاً وتدعم من خلال فعالياتها المختلفة والمتنوعة، قيم التنمية والوحدة الوطنية».
وفي هذه اللحظات أيضاً: يترافقُ مع وقفةِ أمير الرياض: صوْتُ سموِّ نائبه الأمير تركي بن عبدالله في حفل تدشين الحملة، لحظةَ توجيهِ كلمة له بهذه المناسبة: «حينما رفعْنا شعار «وطننا أمانة « لم يكن هدفنا ترويج الشعارات، ولا كانت بُغيتُنا استهلاكُ العبارات، بل هو زرعٌ ننتظر حصاده واستثمارٌ نرجو أن يحقق مراده «. نَعَمْ.. أيها الأمير الحصيف.. فالهُتَاف لمحبّة الوطن ليس شعارات ولا عبارات إعلامية ولا نفاقاً ولاخوْفاً ولا أيدولوجيات.. إنَّما الهُتَاف هو: إخلاصٌ في العمل وتحسينٌ للإنتاج وتكريسٌ للوحدة الوطنية. ونحْنُ نركِّز مع سمو الأمير تركي - رعاه الله - على بناء الإنسان في قيمة الانتماء للوطن.. ونحن نُصِرُّ معه أيضاً - كتربويين - وبكلِّ تأكيدٍ على قيمة جوْهر الوطن.. وذلك بتربية الإنسان المُشبَّع بشعور الانتماء. وفي هذا يقول - يحفظهُ الله -: « إنَّ عشق الوطن شعورٌ تتوارثه الأجيال على اختلاف الظروف وتباين الأحوال، تترجمه في سلوكها وتتمثله في أفعالها وأقوالها, ولأنَّ الأمر وعيٌ وإدراك في المقام الأول، فقد جعلنا التربيةَ قضيتنا والتعليم وسيلتنا؛ فهما رهاننا لتحقيق معاني الانتماء وتعميق قيم الولاء والوصول لجوهر المواطَنة الصحيحة».
إنَّنَا متفائلون - حقيقة - بأنَّ هذه الحملة - إنْ شاء الله تعالى - سيكونُ طريقُها النجاح وستُحقِّقُ أهدافَها السامية، وبأنَّ جهودَ الجميع ستتظافر، وتعاونهم سيستمر، بوصفهم مرتبطين بهذه الأرض، ومُصِرِّين على الأمل والأماني ؛ لترسيخ قيمِ الانتماء والولاء له ولمقدساته ولقيمه الاجتماعية والحضارية. ومَرْحى.. ثم مَرْحى لجميع المخلصين في صناعةِ الغد وخدمة الوطن.
وخِتاماً: نسألُ الله تعالى أنْ يَمُدَّنا جميعاً بمددٍ من لدنه، يلهِمَنا رشْدنا، ويستخدمَنا في إعلاء كلمته، ويحفظَ بلادَنا وبلاد المسلمين منْ كلِّ مكروه، ويزيدَ ولاة أمرنا عِزَّاً وتوفيقاً، ويؤيدهم بتأييدِه. إنَّهُ أكْرم مسؤول.