بلغت النخلة على عهد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ألف درهم، فعمد أسامة بن زيد إلى نخلة فنقرها وأخرج جمارها فأطعمها أمه أم أيمن فقالوا له: ما يحملك على هذا وأنت ترى النخلة قد بلغت ألف درهم، قال: إن أمي سألتنيه ولا تسألني شيئاً أقدر عليه إلا أعطيتها.
يا الله.. نخلة بألف درهم.. يقطعها ليخرج جمارها، ويطعمه أمه، لقد كانت تشتهي الجمار، ولم تكن تعلم كم ستكلف ابنها، ولو علمت لما طلبت، ولو قال لها: إن النخلة في هذا الوقت غالية فلننتظر، إلى أن يرخص سعرها حتى ألبي طلبك، وأحقق رغبتك، لو قال لها ذلك لرضيت، ولما كان ملوما، ولكن ثمن النخلة كان عنده رخيصا مقابل تلبية رغبة أمه.
إنها اشتهت، فلم تحتج، ولم تضطر ماذا لو احتاجت شيئاً.. ماذا لو اضطرت..
أترك لكل منا أن يتخيل إلى أي مدى سيضحي هذا الابن في سبيل إسعاد وإرضاء والدته.
هذا هو أسامة بن زيد، وهذه حكايته التي نُقلت لنا، مع رغبة من رغبات أمه.
فما حالنا نحن.. لن أقول ما حالنا مع رغبات آبائنا وأمهاتنا، لكن ما حالنا مع حاجاتهم، كيف أنت مع حاجة والدك ووالدتك، هل تفرح حينما يحتاجان منك إلى خدمة، لا بل هل تقدم الخدمة بطيب نفس، بل اسمحوا لي أن أقول: هل تقدم الخدمة ولو بشيء من المنَّة!!
إنها دعوة للمراجعة.. إنها دعوة لتعويض ما فات وتدارك ما بقي، لمن بقي له.
ألسنا نريد سعادة الدنيا؟!
والله إن البررة لفي سعادة وهناء ونعيم، «لو علم الملوك وأبناء الملوك ما هم عليه لجالدوهم عليه بالسيوف»، ألسنا نريد الجنة؟ هل فاتنا ما وصى به الحبيب -صلى الله عليه وسلم- أمته في حق الوالدين، ثم ألسنا نقرأ ونسمع كثيرا قول الله تعالى:
{فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (الإسراء 23-25).
لقد قطع أسامة بن زيد النخلة ليطعم أمه جمارها، وأطعم كثيرون شهواتهم من جمار قلوب أمهاتهم وآبائهم.. بشّر العاق ببؤس وشقاء.