تأتي زيارة ولي العهد السعودي - الأمير - سلمان بن عبدالعزيز إلى جمهورية الصين، في وقت يشهد فيه العالم حراكا سياسيا على مستوى التحالفات الاقتصادية؛ وانطلاقا من حرص الدول على اتخاذ سياساتها الخارجية من مصالحها الوطنية، - ومن ثم - فإن ما يسمى بمبدأ «توازن المصالح »، راعت فيه السعودية بتوجيه سياساتها شرقا، بمداه - الزمني والتاريخي -؛ من أجل إعادة تشكيل خارطة التحالفات - الإقليمية والدولية -، وهو ما تستدعيه قراءة مراحل التاريخ بعناية، مع ضرورة تفسير ظواهر الاستقرار الدولي، والعمل على تطبيقه.
وعندما يتحدث - الأمير - سلمان في بكين - قبل أيام -، بأن : «العلاقة بين السعودية، والصين، تتحول من التعاون إلى شراكة استراتيجية»، فكأنما يترجم معاني الصداقة الحقيقية بين البلدين في كافة جوانبها - السياسية والدفاعية والعلمية والاقتصادية والتجارية -؛ من أجل تحقيق مبدأ الشراكة بمفهومه الواسع، وتبادل المصالح في إطاره العام؛ ولتتمتع تلك العلاقة الإستراتيجية بهامش كبير في مناوراتها - السياسية والاقتصادية - في علاقاتها مع الدول العظمى.
على المستوى العالمي، فإن الصين تُعتبر إحدى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وعضوا بارزا في النادي الدولي النووي ، - وأيضًا - ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الاقتصاد الأمريكي، الأمر الذي سيجعل من المملكة أكبر شريك تجاري للصين، وذلك في غربي آسيا وأفريقيا.
وهكذا عمق اقتصادي، سيكون مؤشرا للتحولات الإستراتيجية للبلدين في جميع الأصعدة، والاتجاه نحو التكتلات السياسية والاقتصادية؛ من أجل تشكيل قطب جديد، يغلب عليه تعدد القوى في النظام الدولي.
ونظرا لوزن الصين - البشري والسياسي والتجاري والعسكري -، ولدورها البارز في كثير من القضايا الإقليمية والدولية، ولها ثقل اقتصادي، ومكانة دولية بارزة، ستجعلها - في مستقبل الأيام القادمة - منافسا أساسا للولايات المتحدة.
من الناحية العملية، فإن حجم التبادل التجاري بين البلدين، يتراوح بين «73» و «76» مليار دولار ، بينما يقدر حجم الاستثمار السعودي في الصين بأكثر من عشرة مليارات دولار ، فيما يبلغ حجم الاستثمار الصيني بالسعودية أكثر من 60 مليار دولار.
وعندما تستورد الصين «20 %» من احتياجاتها النفطية من المملكة، - فهذا يعني - أن تحولا في تجارة الطاقة من الغرب إلى الشرق، هو - أيضا - يمثل تحولا في الجغرافيا السياسية للنفط، - لاسيما - وأن المملكة تُعتبر المصدر الأول للنفط إلى الصين.
بقي أن يقال: إن الولايات المتحدة - رغم هيمنتها على العالم بشكل عام -، إلا أنها ستتوجس من أية زيارة يقوم بها مسؤول سعودي إلى الصين، وستنزعج كثيرا من أي تعاون عسكري، أو اتفاق أمني بين البلدين، - خصوصا - وأن - وزير الخارجية الصيني - وانغ لي، أكّد خلال زيارته الأخيرة إلى المملكة، بأن : «دعم بلاده للمملكة، يندرج ضمن سياق امتلاك قوة دفاعية قوية تحمي مصالحها»؛ لتشكل تلك التطورات منعطفا للولايات المتحدة، ولدول أوروبا، باعتبارها خروجا عن النمط التقليدي للسياسة السعودية الخارجية، - إضافة - إلى استقلالية سياستها العسكرية عن المؤثرات الخارجية، ووقوفا أمام محاولة فرض السياسات الأمريكية، والغربية، القائمة على سرعة تشكيل المنطقة ضمن إطار ما يسمى بـ« مشروع الشرق الأوسط الجديد».