التجدّد سمة المتفائلين الواثقين بكل خطواتهم في الحياة وقبل ذلك بأنفسهم، والغزل من أغراض الشعر الذي بات - مع الأسف - يركب موجته من (لا يحسن السباحة)، كل ما هنالك أنه يود تسجيل حضوره في - فن - لا يُتقنه حتى لو غرق فيه، فيصور الحب المظلوم بأنه سبب بؤسه ويأسه وضياعه.. ومع تقديري لمدى الألم غير المبالغ فيه حيناً، إلا أنه يستحيل أن يكون دائماً.. يقول الشاعر أبو تمام:
شَكَوْتُ وما الشَّكْوَى لمثلي عادة
ولكنْ تَفِيْضُ النَّفْسُ عندَ امْتِلائِها
ويقول الشاعر عروة بن الورد:
ومَا شَابَ رَأْسِي عَنْ سِنينٍ تَتَابَعتْ
عَليَّ وَلكِن شَيَّبَتْهُ الوَقَائِعُ
وعوداً - على ذي بدء - فإن من يتأوهون لكل وقع وميض شمس خافت يعبر مشاعرهم، ويحملون بعد ذلك تعميماً لأحكام انطباعية على كل التجارب اللاحقة بأنها سلبية كالسابقة، سيجنون على كل حلم عاطفي جميل يُقتل قبل أن يولد في حياتهم ..يقول الشاعر المتنبي:
َوَمَنْ يَكُ ذَا فَمٍ مُرٍّ مَريضاً
يَجِدْ مُرًّا بهِ الْماءَ الزُلاَلا
فالحب الحقيقي الكبير يبقى كذلك لأنه لا يرتبط بطرفيه، بل بقلب من يحب في - كل محطات حياته - ليكون الطرف الذي يهب عاطفته المفعمة بالإيثار الراقي في كل الأحوال - المعلوم منها والمجهول - لأنه ببساطة لا يُوقِّع عقدا عاطفيا.. يقول الشاعر أحمد الناصر:
إن مت أبلقى عليه شهود
عنقه وخدّه ومجدوله
إلى أن قال:
يا زين حبل الهوى ممدود
(لكن سجاياه مجهوله)
فقد تكون - أصغر تفاصيل الأحلام - لا تتحقق إلاّ في مرحلة قادمة ليس لها أي صلة بالماضي والحاضر.. لمَ لاَ؟
يقول الأمير الشاعر سعود بن بندر - رحمه الله -:
أشهد إني قبل أعرفك كنت غادي
ويوم كِتْبَتْ لي السعادة جابك الله
قبل أعرفك كان طعم العمر عادي
ومن لقيتك لذّ لي ما فيه كلّه
ويكفي من الماضي العاطفي الجميل لونه الحالم في ذاكرة راقية اقترنت بالوفاء في كل محطات الحياة بحلوها ومرها.. يقول الشاعر ماجد الشاوي:
أعيش في غفلة الحاضر شعور الغريب
وأغيب عن كل من حولي على أطلالها
وأشوفها باحتضار الشمس عند المغيب
وأذكر ربيعٍ نسى لونه على شالها
يقول المثل (قلب مليء بالحب دائماً يَهِبُ الحب
A heart filled with love can always give love).
وقفة: من أوراقي القديمة
عليه جوفي من لِظَى الوجد محروق
والحب كم سوَّى بغيري سواتي
جمعنا وقتٍ راح والصدق والذوق
وإخلاص ثابت لين يوم المماتي
والله ما أذكر حسّني منه منطوق
وإلاّ ترك لي قسوه فـ.. ذكرياتي
عن السفايف حبنا مرتفع فوق
ماهوب نزوة قرب تقفي وتاتي
عليه شلت الصوت مع كل طاروق
وهلّت دموعٍ بالوفاء غارقاتي
ياللي تقول إن كل مطرود ملحوق
لو هو صحيح إن كان جتني مناتي