قبل سنوات قليلة كادت هوية المبدعة السعودية أن تُغيّب تماماً خلف الأسماء المستعارة أو خلف اسم ابنها (الكنية) حينما توقّع لوحة تشكيلية مثلاً. لم يكن بالإمكان - للغالبية - أن تقف بإزاء منتجها الإبداعي كأي مبدع وتتواصل من خلاله مع للعالم. إنما اختفت خلفه وتبرقعت به كما لو كان اسمها المجرد فضيحة يُشاء غسلها بالرموز والاستعارات. لأنها قاست تحجيما مهنيا، وقولبة تحشرها في مهام لا تبرز قدراتها ولا تستغل مهاراتها الأخرى بعيدا عن تربية الأولاد وحرارة الموقد وزينة المنزل رغم أهمية هذا الدور.
لكن أزمة الهوية النسوية بدأت بالتحلحل تصاعدياً خلال سنوات وجيزة، وخصوصا بعد دخول الإنترنت إلى المملكة نهاية التسعينات الميلادية. مما أضاف قناة تثقيفية أبعد مدى ًوأوسع جغرافية. لتبدأ مصافحة من نوع آخر بين المرأة وبين منتج بشري خارج حدود المحلية. وبتسارع مضطرد أصبحت قيود الإبداع تتهاوى تِباعاً، وأعلنت المرأة عن وجودها باسمها الصريح، وشاركت في المناسبات الأدبية محلياً ودولياً شعراً ونثراً وتشكيلاً ونحتاً وتصويراً على نحو أكثر اتساعاً ووضوحاً. خاطبت العالم بعد صمت طويل وراء العيب والممنوع، خاطبته باللون والكلمة. كشفت الغطاء عن مواطن الجمال والبؤس والسعادة والمتناقضات الضرورية لحياة الكائن في ثنيات الأنوثة التي استفرد الرجل بتقمصها لأعوام خلت في الرواية والمسرح والشعر والفن بمجمله، وإن مازالت قابعة تحت ظلال النسوية في مجالات عدة لكنها تخطت نسويتها وتجاوزتها للإنسانية الأكثر رحابة في الفن التشكيلي على وجه الأخص.
مابين تحريك مقبض الباب إلى ولوج ساحة الجوائز كانت فترة لا تكاد تذكر من عمر البشرية. منها ما حققته الروائية رجاء عالم - على سبيل المثال لا الحصر - للبوكر عام 2011م. وهي أكبر جائزة عربية حتى الآن. وبمجرد كتابة عبارة: المرأة السعودية في محرك بحث جوجل حتى تخرج بمئات النتائج لتتويج مخرجات الإبداع لدى المرأة السعودية في جميع المجالات الإبداعية. مما يجعلنا نرى بوضوح أننا في عصر ذهبي بلغ فيه الاهتمام الإعلام (محلياً ودولياً) ومؤسسات الثقافة في المملكة (النوادي الأدبية وجمعية الثقافة) مرتبة متفوقة. حتى أني دائما ما أقول إن الإبداع الروائي والفني والشعري أصبحوا بالنسبة للمرأة اليوم بمثابة فنون الطبخ في الأزمان السابقة. لقد اخترقنا أسيجة المنع ووصلنا إلى مرحلة الفخر على المستوى الاجتماعي وفي أغلب البيوت السعودية.
لكنني ولأن التاسع من مارس الماضي صادف اليوم العالمي للمرأة أريد أن أضع إشكالية جديدة تحت المجهر، فبعدما وضعت الحرب أوزارها ضد المرأة المبدعة، يتجه المجتمع بذكوريته ووصايته ليصب جام إقصائيته على المرأة في جانبها الفكري بعد أن تخطت المرأة في جانبها الإبداعي أعوام التحييد لتجربتها الإبداعية ودخلت مرحلة القبول بل تجاوزتها للفخر أيضاً. نجد أن هناك مجالات مازالت يحتبي بفنائها الرجل طارداً المرأة منها كما لو تكون غير جديرة بها، وهي فضائات التفكير!. ولأن المنتج الورقي الفكري نادر بالنسبة للمرأة إلا أننا نجدها مورقة في برامج التواصل الاجتماعي وأهمها تويتر. وسنجد أن تاريخ العنف في تحجيم دور المرأة يعيد نفسه حرفياً. وتعود عبارة ((إذا صاحت الدجاجة صياح الديك فاذبحوها)) للحياة من جديد. في محاولة تفحيل التفكير كما فحلوا قبله الشعر والفن والكتابة وكل مساحة اختطفها الرجل وسماها باسمه!
فهل ستجد عبارة ( مُفكرة) مكاناً لها قبل اسم المرأة السعودية كما وجدت عبارات أستاذة وروائية وفنانة؟