أسعفت اللغة العربية - التي تضم مرادفات كثيرة، وتقدم صيغاً وعبارات تعطي معاني عديدة، وتحمل تفسيرات تقدم معاني كثيرة- واضعي البيان الوزاري للحكومة واللبنانية الجديدة برئاسة تمام سلام. وبهذا تكون اللغة العربية هي من أنقذت حكومة سلام من الاستقالة قبل 72 ساعة من الموعد المقرر، إذ ربط موعد مرور شهر على تشكيل الحكومة للبت في معضلة البيان الوزاري، بعد إصرار حزب حسن نصر الله وحلفاء النظام السوري على إبقاء ما يُسمى بالصيغة الثلاثية «الشعب والجيش والمقاومة» في نص البيان، وهو ما يعارضه الأغلبية اللبنانية الممثلة في تيار 14 آذار الذي يضم تيار المستقبل والكتائب والقوات اللبنانية والمستقلين الذين يحسبون على رئيس الجمهورية ميشال سليمان. الصيغة التي استفاد واضعوها من غنى اللغة العربية بالمرادفات وقدرتها على تقديم صيغ وعبارات تفي بالغرض دون الالتزام بالنص، فاستعيض عن معادلة «الشعب والجيش والمقاومة» بصياغة طويلة إلا أنها ترضي من يتشبث بهذه الصيغة وفي الوقت نفسه تعطي الحق للآخرين أن يفسروا الأمر وفق مفهومهم، فالعباراة البديلة تقول «استناداً إلى مسؤولية الدولة في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدة أراضيه وسلامة أبنائه، تؤكد الحكومة على واجب الدولة وسعيها لتحرير مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر بشتى الوسائل المشروعة، مع التأكيد على الحق للمواطنين اللبنانيين في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع أراضيهم المحتلة».
هذه العبارة الطويلة أعطت الحق لجميع اللبنانيين «الحق للمواطنين اللبنانيين في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي». وهو يتوافق مع طلب حزب حسن نصر الله وحلفائه في تشريع «المقاومة» مقاومة الاحتلال الإسرائيلي... وهنا ينبه المحللون السياسيون إلى أن العبارة تشرّع حمل السلاح لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي دفاعاً عن الأرض اللبنانية، وليس حمل السلاح لدعم أنظمة مساندة للحزب وحليفة للمرجعية الإيرانية التي يعود إليها.
أيضاً العبارة تؤكد على مسؤولية الدولة في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدة أراضيه وسلامة أبنائه. وهنا أيضاً لم تثبت ما يطالب به تيار 14 آذار وهو التأكيد على مرجعية الدولة وخصوصاً فيما يتعلق بشن الحرب وغيرها مما يتعلق بالسيادة.
إذن هو تقاسم للتنازلات لا يغير في الأمر شيئاً، ولا يلزم «المقاومة» بجعل سلاحها تحت تصرف الدولة ولا يلزمها بمرجعية الدولة، إلا أنه شرع لكل لبناني حمل السلاح لمقاومة الاحتلال، وهو ما يتخوف منه اللبنانيون بأن يصبح السلاح مشاعاً ومنتشراً، مولداً مليشيات أخرى مواجهة لميلشيات حسن نصر الله ستطلب مواجهة الاحتلال وليس بالضرورة يكون احتلالاً إسرائيلياً...!!