الحديث عن القراءة الإلكترونية إو الكتاب الإلكتروني بات أمراً يشغل بال الكثير خاصة مع إقامة معارض الكتاب التي يشترك العالم بمختلف حضاراته بإقامتها وقد يكون الأمر نسبياً لنا نحن العرب كوننا مستهلكين للثقافة الرقمية وليس منتجين لها عكس الغرب، وأشير هنا إلى مادة كتبتها: ماري ليبير ترجمة: عبده حقي على الموقع الخاص بالدراسات الفرنسية NEF. لقد قلب التطورالتكنولوجي والإنترنيت عالم الكتاب الذي ظهر منذ أكثر من خمسة قرون في أشكال مختلفة.. هذا الكتاب وبهذا الشكل الذي بين أيدينا بدأ يعرف عدة تحولات. فإذا كان الكتاب اليوم ما فتئ يحتفظ بمكانته، فإن الكثير من دعاماته أصبحت تتطور والعادات الإنسانية المرتبطة بها بدأت هي أيضاً تتغير؛ ولقد بدأت بوادر هذه الحركة منذ أواسط التسعينيات من القرن الماضي مع ظهور النص الإلكتروني والناشرين الإلكترونيين والمكتبات على الخط En ligne والمكتبات الرقمية. لقد زلزل العفريت الرقمي عالم النشر الذي عرف باستقراره منذ أكثرمن مئة سنة؛ وخلافاً لبعض تكهنات البعض ذوي الأحكام المتسرّعة التي يطلقونها وخصوصاً منهم الأخصائيون المتحمسون للمد الرقمي فإن الكتاب الورقي لا يبدو حتى هذه اللحظة مهدداً في كيانه كما أن ساعة احتضار الورق غير واردة في الأفق.
من حظ القراء ومريدي المعرفة والتعلم أننا أصبحنا نتوفر على سندين للتعلم والمعرفة بدلاً من سند واحد؛ إن الكثير من الأعمال الورقية الحالية قد تخلصت عن طريق معالجتها رقمياً انطلاقاً من قواعد معطيات الشيء الذي جعل من الأيسر الحصول على نفس العمل الأدبي بمظهرين: ورقي ورقمي.
يبلغ عمر الكتاب الورقي خمسة قرون ونصف، أما الكتاب الرقمي فيصعب تحديد تاريخ ميلاده. فإذا ما اعتبرناه نصاً إلكترونياً فإننا يمكن أن نحدد عمره في 35 سنة مع إطلاق مشروع (غوتمبرغ) سنة 1971 من طرف ميشيل هارت الذي كان يطمح إلى التوزيع المجاني للأعمال ذات المواضيع العامة بواسطة الفاعل الإلكتروني. وكان على الإنسانية أن تنتظر تطور النت أواسط التسعينيات كي ينطلق فعلياً نشر النصوص الرقمية على المستوى العالمي. أما إذا نظرنا إلى هذا التطور الرقمي من الوجهة الاقتصادية فيمكن القول إن الكتاب الرقمي قد ولد سنة 1998 مع دخول سوق البيع بعض العناوين الرقمية الأولى من طرف دار النشر.com 00www.00h التي نقرضت لأسباب غير معروفة. وفي مقال له على صفحات مجلة (إعلاميات - أخبار) ألح بيير بيرو مؤسس المكتبة الرقمية (أثينا) (Athena) ألح على التكامل بين النص الرقمي والنص الورقي. إن النصوص الرقمية في رأيه تمثّل تحفيزاً على القراءة وإسهاماً وافراً في نشر الثقافة، خصوصاً في مجال الدراسة والبحث النصي. إن هذه النصوص الرقمية هي بمثابة مكمل للكتاب الورقي الذي سيبقى عنصراً محورياً وأساسياً لا نظير له في مجال القراءة والتكوين والمعرفة والإبداع. وإذا بات من المؤكد والضروري الاعتماد على النص الرقمي؛ فإن الكتاب الورقي سيبقى كذلك وإلى ما لا نهاية ذلك المرافق المقدس الذي تلتقي في عمقه الكثير من الرموز: فنحن نضمه بأيدينا، نحضنه، نرنو إليه، يجذبنا أحياناً شكله وحجمه الصغير أكثر من محتواه؛ إن (هشاشته) تخفي كثافة فاتنة، مثل الإنسان الذي يخشى الماء والنار، غير أن أوليفيي بوجول رئيس شركة (ليستال) ومقاول مؤسسة (سيبوك Cybook) وهي عبارة عن لوحة إلكترونية للقراءة! يقول: إن الكتاب الإلكتروني الذي يمكننا من القراءة الرقمية لا ينافس الورق في دجنبر 2000؛ بل إنه مكمل للقراءة ويفتح آفاقاً جديدة لنشر الأعمال التي تتآصر فيها الكلمة بوسائط أخرى (الصورة، الصوت، صور متحركة...)
ويبقى على الكتاب الرقمي أن يكشف عن مؤهلاته وإضافاته القيمة مقارنة مع الكتاب الورقي الذي رسخ دوره في المنظومة الاقتصادية منذ أكثر من خمس مئة سنة ونيف. إن السحب الورقي سيبقى أبداً أساسياً؛ فهناك العديد من الجامعات والكليات التي صارت تنشر مراجع «على المقاس» تتألف من اختيار دقيق للفصول والمقالات على قاعدة معطيات، التي يضاف إليها تعليقات الأساتذة وقد كتبت الباحثة والأستاذة في مؤسسة الدراسات التطبيقية العليا (ماري جوزيف بيير) في فبراير 2003 (يبدو لي أن نشر المقالات والأعمال العلمية قد بات يأخذ أشكالاً رقمية الشيء الذي سيمكن الباحثين من استثمار بنوك المعلومات المتطورة جداً والتي ستمكن من التوصل المباشر والحوار بين الكتاب.
إن الكتاب الرقمي لم يعد مسألة جدل أو نقاش أو تعريف تصوري أو اختراع من طرف الخبراء: لقد صار منتوجاً تجارياً وهو أيضاً وسيلة للقراءة وهو ليس في حاجة إلى انتظار أي نموذج للقراءة أكثر حداثة وأعلى نصية وأكثر غنى على مستوى الوسائط المتعدّدة مقارنة مع الكتاب الورقي فالأمر في غاية البساطة يكفي فقط اقتراح نصوص مقروءة بيسر على دعامات القراءة الإلكترونية.