تلقيت مما أتلقاه من رسائل التواصل عبر جهاز الهاتف يومياً (مقطع فيديو صغير) لا يتجاوز الأربعين ثانية يسجل لقاءً لم يعلم أصحابه أنه كان وداعياً جمع كل من الشيخ عبدالعزيز الشثري أمد الله في عمره على الطاعة، والشيخ محمد المجلي - رحمه الله - والذي توفي في ليلة الجمعة في نهاية شهر ربيع الثاني، ولقد كان هذا المقطع من المقاطع التي حظيت بنسبة عالية من الإرسال والاستقبال بدليل أنه ورد إليَّ عشرات المرات من أفراد أو عبر المجموعات وبالتأكيد اختلفت غايات المرسلين لهذه المادة.
توقفت كثيراً عند هذه المادة الصغيرة والقصيرة في زمنها والكبيرة والعظيمة في محتواها وحسبما علمت من بعض المقربين من الرجلين أنهما لم يعلما جميعاً بالتصوير ولا يقرانه فلم يكن لقاؤهما للتباهي والتفاخر وهذا الأمر يضاف له فوائد ومزايا أخرى من هذا اللقاء الخير المبارك الذي غلب عليه طابع جميل في الوفاء بين الرجلين وأن يزور أحدهما أخاه وأحسب إن شاء الله أن مبتغى الزائر في هذه الزيارة إدراك الفضل العظيم في فضل زيارة المسلم لأخيه المسلم وما بشر به رسولنا - صلى الله عليه وسلم - حين قال في الحديث الذي رواه معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قال الله - عز وجل - وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين في والمتزاورين في والمتبادلين في) أخرجه مالك وأحمد، وفي حديث أي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته ملكاً فلما أتى عليه قال: أين تريد ؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربها ؟ قال: لا غير أني أحببته في الله - عزوجل -، قال: «فإني رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه) أخرجه مسلم.
ثم إن هناك صورة جميلة في هذه الزيارة وهي الوفاء لرجلين مسنين لم يمنعهما المرض وكبر السن من الزيارة والتواصل، وحينما تحققت الزيارة طبقا المنهج النبوي وسيرة السلف الصالح في التواصي بالحق والتواصي بالصبر وهي من سمات المؤمنين، بدأوه بالدعاء بأن يرزقهم الله والمسلمين الجنة ثم يوصي الشيخ الشثري أخاه الشيخ المجلي رحمه الله بالتسبيح والذكر والاستغفار والتذكير بحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قوله «خيركم من طال عمره وحسن عمله».
إن هذه الزيارة دلالة صادقة على معنى الأخوة في الله والحب في الله واحتساب الأجر في الزيارة وفي التذكير، ولم يشمل المقطع صورة سلبية من بعض الصور المعهودة عند البعض حينما يلتقي «شباب» أو «كبار» فيبدأون بسخرية أحدهما للآخر كحال الشباب أو التشكي من الزمن والمرض كحال بعض كبار السن أو الانغماس في الدنيا والسؤال عنهما أولاً وأخيراً، لا لم تكن هذه الزيارة داخلة في هذا الإطار السلبي ولكنها كانت أنموذجاً صادقاً لأخوة صالحة وصادقة نشأ عليها كل منهما، وهو ما عرفته عن حال الرجلين بسؤال مشايخ وإخوة أفاضل من رجال حوطة بني تميم وقد رأيت الإجماع في الثناء عليهما وعن محبتهما للخير والدعوة إليه والناس شهود الله في أرضه.
وإذا كان الرجلان قدما صورة جميلة من صور الوفاء والمحبة الصادقة فإن مجتمعنا ولله الحمد يزخر بمثل هذه الأخوة الصادقة وهذا الجيل المبارك من كبار السن قد علم الجيل الآخر هذه المكارم، مكارم الأخلاق التي تعلموها من سنة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، وتلقوها من مشايخهم ووالديهم والأبناء يقتدون بالآباء وهم سائرون على الدرب والطريق.
خاتمة:
{وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.