تتصف خريطة سوق النفط العالمية بالتقلب والتغير الشديدين من آن حين الى آخر. فرغم ثبات أرقام الاحتياطيات المؤكدة وضيق نطاق تغيراتها، وأيضا رغم الثبات النسبي في أرقام الطاقات الإنتاجية للدول الرئيسية (المتابع لها ليلحظ أن تغيراتها على المدى المتوسط تعتبر ضعيفة للغاية) إلا إن خريطة النفط تعتبر متغيرة بشكل كبير، وربما تتباين توقعاتها على المدى البعيد من آن لآخر بشكل غير متوقع. فاليوم زيادة إمدادات النفط الصخري من الولايات المتحدة، وأيضا ظهور الصين كمستورد كبير ورئيسي في السوق، فضلا عن التغيرات والانحراف في العلاقة بين النفط والغاز، وتزايد الاحلالية بينهما، كل هذه العوامل أدت إلى تغيرات جوهرية في خريطة النفط الدولية .. الآن يوجد متغير سياسي يكاد ينفجر في أحد أهم مناطق إنتاج واحتياطيات النفط، وهي الأزمة الأوكرانية فالكل يتسآءل عن تداعياتها على سوق النفط العالمي. إن تداعيات أي أزمة سياسية على أسعار النفط، هي تداعيات تمتلك جزء نفسي دائما ما تغاير التوقعات، لأنها ترتبط بكيفية تعامل نفسية البائعين والمشترين لعقود النفط حسب كل أزمة .. إلا إننا نتساءل هنا عن ما هي مساهمة دول الاتحاد السوفيتي القديم (التي هي محل الأزمة الحالية) في إنتاج واحتياطيات النفط ؟ هل تمتلك مساهمة مؤثرة في الحقيقة وعلى أرض الواقع لكي تلعب دورا هاما في التأثير على أسعار النفط العالمية؟
مساهمة روسيا في إنتاج واحتياطيات النفط
تنتج روسيا من النفط 10.9 مليون برميل يوميا، إلا إنها تأتي في المرتبة الثامنة عالميا من حيث امتلاكها لاحتياطيات نفطية مؤكدة، بقيمة تصل إلى 80.0 بليون برميل ..
وتساهم روسيا بنسبة 13.3% في الإنتاج العالمي من النفط، في حين أنها تساهم فقط بنسبة 4.9% في إجمالي الاحتياطيات العالمية المؤكدة من النفط.
مساهمة أوكرانيا في خريطة سوق النفط
لا تعتبر أوكرانيا من ضمن الدول النفطية الرئيسية في السوق العالمي، حيث إن إنتاجها اليومي لا يزيد عن 0.1% من الإنتاج العالمي للنفط، بكمية لا تزيد عن 99.9 ألف برميل يوميا، وهي كمية غير هامة في السوق العالمي، ولا تعتبر مؤثرة سواء بوجودها أم غيابها .. أيضا فإن حجم الاحتياطيات النفطية المؤكدة لأوكرانيا تعتبر ضعيفة، وغير مؤثرة، حيث تصل إلى حوالي 395 مليون برميل، بنسبة مساهمة في الاحتياطيات العالمية لا تتجاوز حوالي 0.03% .. أي إن أوكرانيا لا تعتبر محور اهتمام نفطي مؤثر في خريطة النفط العالمية.
مساهمة دول الاتحاد السوفييتي القديم ككل في خريطة النفط
تعد حوالي (12) دولة من دول الاتحاد السوفيتي القديم كدول نفطية، كما يتضح من الجدول (3)، هذه الدول مجتمعة تساهم بنحو 13.9مليون برميل نفط يوميا يتم ضخها في السوق العالمي للنفط، وهي تساهم بنسبة 16.8% في إجمالي هذا السوق .. إلا أن روسيا تعتبر هي الدولة الأعلى إنتاجا، وتمثل حوالي 78.0% من إنتاج دول الاتحاد السوفيتي القديم .. أي أن مساهمة الاتحاد القديم تتركز في روسيا نفسها. أما من حيث حجم احتياطيات النفط المؤكدة بدول الاتحاد السوفيتي، فإنها تصل ككل إلى حوالي 117.9بليون برميل، بما يشكل حوالي 8.5% من الاجمالي العالمي.. وتساهم روسيا وحدها بحوالي 67.0% من إجمالي احتياطيات الاتحاد السوفيتي القديم .. وتشير الاحصاءات إلى أن روسيا تتسارع في معدلات إنتاجها، بشكل يزيد من معدلات النضوب لديها، ويفسر ذلك باحتياجها إلى سيولة مالية لإجراء الإصلاحات المتعددة بعد خروجها من الاتحاد السوفيتي.
أيضا تشير الاحصاءات إلى أن دور أوكرانيا يبدو ضعيف وغير مؤثر سواء في مساهمتها في خريطة سوق النفط داخل دول الاتحاد السوفيتي أو في سوق النفط العالمي .. رغم ذلك، فإنه يوجد دولتين مؤثرتين إلى حد نسبي في هذه الخريطة، وهما كازاخستان وأذربيجان، حيث أنهما معا يشكلان حوالي 31.4% من احتياطيات النفط بدول الاتحاد السوفيتي، كما أنها يمثلان حوالي 18.8% من حجم إنتاجه .. وهاتين الدولتين تساهما مجتمعتين بنسبة 3.0% في الإنتاج العالمي، ونسبة 2.7% في الاحتياطي العالمي من النفط لذلك، فإن تأثير الأزمة الأوكرانية على النفط لا ينبع سوى من تأثيرها على الإنتاج الروسي، ومن ثم فإن تأثيرها المتوقع على السوق العالمي لا يبدو عاليا.