يبقى موضوع توطين الوظائف في القطاع الخاص هاجساً عاماً وخاصاً، وعلى كل المستويات. وتلك قضية تتعدد المواقف والآراء حولها، بين متحمس لها، أو مشكك في جدواها، أو رافض لها بدءاً ونهاية.
* * *
- وأمام هذا التراكم من الآراء المتضادة حول الموضوع، تمضي القضية تقرع الآذان، وتشغل الأفئدة، وتستفز الأقلام، وكل فريق من أولئك وهؤلاء (يغني على ليلاه)!
* * *
- أرجو ألا يستنتج القارئ الكريم من سياق هذا الحديث أن إحلال الشاب السعودي المؤهل وظيفياً في القطاع الخاص يمر بمرحلة ولادة متعسرة أو متعثرة؛ كيلا يخبو الأمل، وتضعف الحيلة، ويهن العزم في معالجة المصاعب والمتاعب التي أفرزها تعدُّد المواقف وتباينها في هذه السبيل.
* * *
- هناك جهود مظفرة بُذلت في هذا السبيل على أكثر من مستوى، أعلاها وأدناها للتعامل مع القضية تعاملاً رشيداً وذكياً وفاعلاً، نشهد نتائجها اليوم في تنامي حضور الشاب السعودي، ذكراً كان أو أنثى، في القطاع الخاص، لكننا نطمع في المزيد من هذا الحضور، على نحو يكتسب الثبات والنماء، عدداً وعدة وكفاءة أداء بإذن الله.
* * *
- لا ريب أن الكثيرين منا مع مبدأ توطين الوظائف في كل القطاعات، دون استثناء، شريطة أن يكون المواطن راغباً في العمل، مؤهلاً لأدائه، ومستعداً لتحمل تبعاته. ولمشروع كهذا مسار ذو اتجاهين: فللمواطن الكفء حق في التمتع بفرص العمل؛ لأنه أولى بخبز بلاده؛ وعليه واجب الالتزام بالحيثيات التي تمليها بيئة العمل، بما يحقق النفع له ولمن يعمل من أجله!
* * *
- أحياناً (يسوغ) بعض رموز القطاع الأهلي منهج التردد أو التشكيك في جدوى توظيف المواطن بقناعات يصرح بها حيناً، ويلمح عنها أغلب الأحيان، تتعلق بتأهيل هذا المواطن وكفاءته النفسية والمهنية.. ونحن نقول إن لبعض تلك القناعات نصيباً من حق، ولكن يعوز بعضها الآخر الكثير من الحق!
أ) فالقول، مثلاً، إن المواطن السعودي كسول قول مرفوض إذا قُصد به التعميم، أما إذا قُصد به الاستثناء فتلك صفة تتقاسمها كل شعوب الأرض، دون استثناء! وتخصيص المواطن السعودي بخصلة كهذه هروب من التبعة الأخلاقية والوطنية التي يرتبها وجوده كجزء من القوة الراغبة في العمل والمؤهلة له.
* * *
ب) أما إذا كان المواطن غير عابئ بنفسه تأهيلاً لمواهبه، أو عازفاً عن العمل، أو غير عازم على تحمل تبعاته المشروعة، فتلك مسألة أخرى ترتد آثارها سلباً عليه وحده لا سواه!
* * *
ج) يرد إلى الذهن القول إن المواطن مكلِّف اقتصادياً نسبة إلى مثيله الوافد، وقد يكون في هذه المقولة شيء من حق في عرف الربح والخسارة، لكن من ذا الذي يزعم أن المواطن يستطيع العيش بمثل ما يُدفع أجراً لوافد آسيوي أو إفريقي، قدم إلى هذه البلاد هرباً من الفاقة في بلاده؟ وإذا كان هذا الوافد يقبل هذا الأجر فلحاجته الملحة، من جهة، ولأن الأجر نفسه قد يفوق ما يمكن أن يناله في بلاده بنسبة تتفق مع المعيار المعيشي السائد بها.
* * *
وبعد، فمهما تلبدت سماء الحوار حول هذا الموضوع بغيوم الشك والتشكيك والتساؤل يبقى في الأفق البعيد بصيص من ضياء ومن تفاؤل ومن أمل بأن غدنا سيكون خيراً من يومنا في هذه السبيل، وأنه بالعمل الدؤوب والتأهيل الواعد المستمر لشبابنا وشاباتنا، ثم بالوسيلة الإدارية الحازمة والحكيمة معاً، سنبلغ - بإذن الله - الهدف المنشود!