(1)
* لا ننفك، نحن معشرَ الإداريين، أكاديميين وممارسين، نكتب ونتحدث مراراً وتكراراً عن (وباء) الرشوة التي ما اخترقت (بيتاً) من بيوت الإدارة إلا أهلكته، وجعلت أعزة أهله أذلّة! وأيّ نصّ تشريعي ديني أو مدني نطالعه نجد فيه إنكاراً واستنكاراً لهذا الوباء، وما يترتب على ذلك من سبل التجريم والعقاب!
* وسبب الإدانة الدينية والقانونية والإنسانية له أنه لا يفرّق بين حق وباطل، ولا بين غني ومحروم، ولا بين حلال وحرام، فيصادر حقاً، عبر (ثقوب) الرشوة، من مستحق له لصالح من لا حق له فيه، (ليحرم) الأول ظلماً وعدواناً!
* والرشوة داء خلقي ونفسي واجتماعي خطير، و(فن) معقد له (وصفات) يحذفها المحترفون له، ولا يعرف أحد متى بدأ الإنسان اقتراف هذه الخطيئة، لكن الراجح أن لها مثلما لغيرها من الموبقات الإنسانية، تاريخاً موغلاً في القدم قدم الإنسان نفسه!
* والرشوة محنة الغني وداء الفقير على حد سواء، يفتن بها الغني حين يصاب بشره المال، فيطرق في سبيله كل باب، ويبذل من أجله كل غالٍ، بدءًا بماء الوجه، وانتهاءً بشرف الذات!
) ويبتلى بها الفقير حين يدفعه إحباط (ذات اليد)، وزهد التأهيل، ورخص الذمة إلى دروب مظلمة يلتمس من خلالها دراهم معدودة تسد أفواهاً أخرسها صدأ العوز!
* وهناك أسباب أخرى قد تدفع المرء، والفقير خاصة، إلى اقتراف إثم الرشوة، وهي أسباب مهما عظمت لا تدرأ عنه الإثم، بل قد تحفزه لاقترافها، فمثلاً: قد تكون له (أسوة) ما يقتدي بها في جهازه الإداري، وإلاّ ما كان يجرؤ على استقبال المال الحرام أصلاً.
* وقد يكون مقترفها قليل الحيلة، عليل الحظ، لم يتهيأ له ما تهيأ لغيره من أسباب (الإرضاء) المادي بالقدر الذي يصرفه عن ممارسة الصيد في المياه الملوثة بعلل النفس، ورخص الذات! وقد يمارس هذا السلوك في غياب سلطة الردع، وقد علمتنا سنن الأولين والآخرين أن من أمن الردع خبثت نيته، وساء فعله!
* وقد تعاني الإدارة من (تليّف) معقد في لوائحها وإجراءات الأداء بها، يحبط عملها ويحدث فيها (ثغرات) تنفذ منها (دودة) الرشوة، تكميماً لأفواه الضمائر، فتذلل العقبات وتيسر السبل، ولذا فإن من أهم سبل مكافحة (طفيليات) الرشوة ليس بإغراق الأسماع بـ(المضادات الوعظية)، أو بقمع المخالف فحسب، رغم أهمية كل من هذا وذاك، ولكن بإعادة (ترتيب) البيت الإداري، واجتثاث الطفيليات التي تتسلق جدران الفضيلة، وتنقية الإجراءات من صدأ الزمن ورتابة التقليد، وتكثيف الحوافز المجزية التي (تُهدِي) للمحسن إحسانه، عندئذ، تستطيع الإدارة أن تمارس مهامها في الهواء الطلق!
(2)
* سألني سائل قبل حين عمّن أرفع (غصن الزيتون) له حين يتصادم طموح الإنسان في الحياة الكريمة مع تحدِّيات العصر وأوبائه وآثامه، فكتبت ما يلي رداً على السؤال:
* أرفعه لكل من يبحث عن دفء السلام وعطر المحبة وهيبة الفكر السويّ، وما أحوج إنسان هذا العصر المرزوء بنوائب العيش إلى جرعات كبيرة وكثيفة من المحبة والسلام والفكر السوي، فهي السراج المنير الذي يخرجه من عتمة الصراع إلى واحة الأمن والأمان. قد يقول قائل: إن هذا التعبير مغرق في (رومانسية) الحلم بما هو أفضل.. وأقول له: ولِمَ لا نحلم ما دامت الحقيقة أحياناً عزيزة المنال!
(3)
آخر الكلام:
* اللهم احم وطننا من شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأحبط كيد من شاء له كيداً: ظناً بالسوء، أو قولاً باللسان، أو عملاً باليد، وأعنه اللهم على تخصيب حصاده من الأمن والرخاء والسلام، إنك على كل شيء قدير!