أصبحت المشروعات المتعثرة سمة من سمات أعمال الأجهزة الحكومية، حتى أنها تشكل خطرا على الأحياء السكانية وتشوه جمال المدن، وتكشف عن تراخي وكالات المباني وإدارات الصيانة والتشغيل للوزارات، إضافة إلى هدر أموال الدولة.
يقابل ذلك وفرة في خريجي الهندسة الحاصلين على درجة علمية في الهندسة وهم كثر من خريجي الجامعات السعودية والجامعات العالمية بلا عمل، ومصنفين ضمن البطالة.
كل جهاز حكومي يعلن وبأرقام كبيرة عن مشروعاته المتعثرة، فالمقاولون أصبحوا لا يكترثون ولا يبالون من التأخير وتعطيل العمل؛ لأنهم يدركون أنه لا عقاب ولا خصم ينالهم, وأقصى عقوبة سحب المشروع بعد أن تصرف له جميع حقوقه وأرباحه المتوقعة، ثم يتم التعاقد مع مؤسساته بالباطن عبر المقاول الجديد.
تتعرض الدولة للخسارة مرتين وتدفع للمشروع الواحد عقدين، إضافة إلى خسارة الوقت وما يمكن أن يحققه المشروع من فوائد للمواطنين.
من أشهر المباني المتعثرة مبنى وزارة التربية والتعليم الجديد على طريق (أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - حيث بدأ التخطيط له والعمل عام 1416هـ / 1996م وحتى الآن عام 1435هـ / 2014م لم ينجز, فقد بدأ العمل به معالي الوزير د. محمد الرشيد - رحمه الله -, ثم معالي الوزراء: د. عبد الله العبيد وسمو الأمير فيصل بن عبد الله والآن سمو الأمير خالد الفيصل حوالي (19) سنة.
المهندسون والإداريون الذين خططوا وباشروا المشروع في بداياته كانوا من الشباب, اليوم معظمهم إما غادر الخدمة وأحيل إلى التقاعد أو ينتظر أيامه الأخيرة في العمل الوظيفي، هذا نموذج عملت عليه طواقم هندسية من وزارة المعارف ثم من رئاسة البنات ووزارة التربية والتعليم، ومر عليه أكثر من مقاول وشاركت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بكل طاقمها الهندسي والإداري للإشراف عليه, وتعاقب عليه أكثر من وكيل وزارة للمباني من وزارة التربية، وعاصر المبنى لجاناً عدة من وزارة المالية والجهات الرقابية, وما زال نموذجا وكبير المباني المتعثرة.
لقد حان وسط تعثر المشروعات الذي تدفع ثمنه ماليا الدولة، والمواطن يدفع ثمن الانتظار، وحقه بأن تنجز المشروعات في موعدها بدلا من أن يكون في مبان مستأجرة أو مبان غير مهيأة ومناسبة، أما حان الوقت لإنشاء وزارة أو هيئة مستقلة للإدارة والإشراف على مشروعات الدولة كما كانت سابقا وزارة الأشغال، التي كانت تشرف على مشروعات الدولة بصفتها جهة مستقلة لها إداراتها الهندسية والفنية، تعمل من أجل الإنجاز ولا تتهاون ولا تتراخى مع المقاول والمستشار والجهاز الحكومي.
في بلادنا ارث مميز من العمل المعماري في مجال الهندسة والعمارة والتخطيط, ولدينا طاقم هندسي من المتميزين وأصحاب الخبرات، وهذا بفضل الله ثم بفضل كليات الهندسة وكليات العمارة والتخطيط في الجامعات السعودية وجامعات الخارج, أيضاً لدينا تجمعات هندسية سواء في الوزارات أو القطاع الخاص قادرة على إدارة بلادنا هندسيا وإعادة البناء والتخطيط، لو تم استثمارهم في جهاز واحدة وزارة أو هيئة اعتبارية ومستقلة، لو حدث ذلك لوفرت الدولة المليارات ولتم إنجاز المشروعات التي ترحل سنوياً أو تبقى عالقة يحرم المواطن من الاستفادة منها.
إذن، لو تحقق إنشاء هيئة الأشغال لتمكنت الدولة من وقف النزيف المالي الذي أجهد خزينة الدولة.