إذا كان قرار قصر الابتعاث على التخصصات الطّبية والصحيَّة لايزال في طور النقاش والمراجعة فإنني أتمنَّى أن تتراجع عنه وزارة التَّعليم العالي. فقد نقلت الصحف ووسائل الإعلام أن نائب وزير التَّعليم العالي الدكتور أحمد السيف صرح بأن الابتعاث إلى الخارج سيقتصر في الفترة المقبلة على التخصصات الطّبية والصحية.
ولا أعرف مدى دقة النقل الصحفي لتصريح نائب الوزير، كما أنني لا أعرف أيْضًا ما هو المقصود بـ»الفترة المقبلة».
فإذا كان المقصود هو المدى البعيد أو البعيد جدًا، لن تكون هناك مشكلة كبيرة لأن الأيام حبلى بالتغيّرات وقد نكتشف عندما يحل المدى البعيد أننا مازلنا بحاجة للابتعاث أو أننا قد اكتفينا.
شخصيًا، أرى أن مشروع الابتعاث للخارج كان من أفضل المشروعات التنموية التي نفذتها البلاد في السنوات الأخيرة.
فهذه العشرات من الآلاف من الطلاب والطالبات الذين تَمَّ ابتعاثهم إلى الخارج ودرسوا في أفضل الجامعات الأوروبيَّة والأمريكية واليابانية والأسترالية وغيرها من البلدان المتقدِّمة في علوم العصر هم الذين سينقلون لنا المفاهيم والممارسات العلميَّة الحديثة التي نقلت تلك البلدان إلى الصفوف الأولى وجعلتها في مقدمة دول العالم في مجالات الاختراع والنمو الاقتصادي والرفاه الاجتماعي.
ربما لا يوجد أحد لم يسمع بالمقولة الشهيرة والمجربة وهي أن الاستثمار في البشر هو أفضل أنواع الاستثمار.
وإذا كنّا متفقين على صدق هذه المقولة وكانت وزارة التَّعليم العالي تؤمن بها فإنَّ الاستمرار في ابتعاث الطلاب والطالبات في جميع مجالات العلوم العصرية التي يستوعبها سوق العمل المحلي هو ضرورة قصوى.
ومعلوم أن العلوم الطّبية والصحيَّة ليست هي فقط ما يحتاج إليه الوطن، وإنما هناك مجالات كثيرة مازلنا نحتاج إلى المتخصصين فيها مثل الهندسة والعلوم الطبيعيَّة وحتى بعض العلوم الإنسانيَّة والاجتماعيَّة النظرية مثل بعض أنواع الإدارة والاقتصاد والمحاسبة والتأمين والصيرفة وغيرها.
لقد اختصرت برامج الابتعاث الزمن عندما أتاحت للألوف من طلابنا وطالباتنا الدراسة في أعرق الجامعات العالميَّة.
نحن نعرف أن جامعاتنا المحليَّة تطوّرت كثيرًا، وبعضها صار يفوق بعض الجامعات الأجنبية.
ولكن بالمجمل، مازلنا نفتقر إلى تجربة الجامعات العالميَّة العريقة ولا زالت الطاقة الاستيعابية الكيفية وليس الكمية لجامعاتنا أقل مما نريد.
وبما أن الإمكانات الماليَّة للدولة في الوقت الحاضر أكثر من كافية، وما دام أننا نفكر دائمًا بالقنوات الاستثمارية المناسبة التي يمكن أن تستوعب الفوائض الماليَّة للدولة وتحقق أعلى العائدات، فإنّ الاستمرار في الابتعاث ـ في رأيي ـ هو الأفضل وهو المضمون، فلن تبور تلك الأصول الاستثمارية ولن تُصادر ولن يأكلها التضخم المالي لأنّها استثمار في رأس المال البشري.
أتمنَّى أن تراجع وزارة التَّعليم العالي قرار قصر الابتعاث على التخصصات الطّبية والصحية، إن كان ما نشرته الصحف دقيقًا.
وهذا بكلِّ تأكيد لا يتناقض مع أهمية وضرورة الحرص على اختيار التخصصات التي يحتاج إليها سوق العمل في بلادنا.