أحاول أن أجد تفسيراً لاستمرار معاناة المواطن والمقيم في المملكة في مواجهه السفر داخلياً، إلا أنني لم أتمكن وبالرغم من وضوح المشكلة, فالنقل الجوي يشتكي من أنه لا دعم لديه وأن أهم عائق لديهم يتمثّل في عدم وجود مئات من الطائرات تتبع لأعرق شركة طيران خليجية بل وعربية والنقل البري المتمثّل في وزارة النقل يشتكي ويُؤكد أنه لا توجد جدوى اقتصادية للسكك الحديدية بالمملكة (بالرغم من أنهم يؤكدون منذ أكثر من 8 سنوات الحاجة لوجود خط بين الرياض ومكة وجدة وأنهم بالفعل اعتمدوه ولكن لم يتم التنفيذ حتى الآن)، ويبدو أنه لن يتم في السنوات الخمس القادمة ويزداد الأمر تعقيداً عندما تشعر أن وزارة النقل لا خطة معلنة لديهم في السنوات الخمس أو العشر القادمة لربط المناطق الجنوبية بالوسط والغرب ونفس الحال للمناطق الشمالية.
النقل الجماعي يشتكي ويقول إنه لا يستطيع أن يغطي ويطور خدماته بين المدن لعدد من الأسباب أهمها أنه يبدأ بالخطوط ذات الربحية, إذاً لا يوجد هنا حل واضح وبالتالي استمرار صعوبة التنقل بين المدن إلا من خلال الطرق البرية السريعة بالرغم من افتقارها للخدمات التي يحتاجها المسافر وأهمها استراحات الطرق وخدمات الصيانة (مع تأكيد وزارة البلديات أن جميع استراحات ومحطات الطرق الحالية ستتغير تماماً وستصبح مجرد ذكريات سلبية وذلك بنهاية شهر ذي الحجة 1436هـ أي بعد 18 شهراً من تاريخه)، وذلك حسب القرار الوزاري الأخير بمنح المحطات والاستراحات الحالية مهلة سنتين بدأت منذ شهر ذي الحجة الماضي.
وبلا أدنى شك، فإننا جميعاً ولله الحمد ننعم بنعم كبيرة جداً ولا بد لنا من شكرها قولاً وعملاً ونعيش نهضة كبرى في المشاريع والخدمات وتأكيد الدولة - أعزها الله - اهتمامها بتنمية المكان وتنمية الإنسان, إلا أننا نجد ونحن في خضم البحث عن الوسيلة الأسهل للتنقل بين أرجاء مملكتنا (والتي هي بلا شك النقل الجوي) نجد وبكل شجاعة معالي مدير عام الخطوط السعودية يعلنها وبصراحة أن التشغيل في الداخل مُخسر وليس له جدوى اقتصادية مع النقص الشديد للطائرات التابعة لأعرق شركة طيران خليجية وعربية وشرق أوسطية, هذا الإعلان في الوقت الذي ما زالت سكة الحديد تؤكد عدم وجود جدوى اقتصادية للنقل الحديدي.
إذاً، ومن هذه المقدمة نجد أن هناك حاجة ماسة لإيجاد حل لهذه المعادلة, فإما أن تُقدم الجهات الحكومية وشبه الحكومية خدماتها للمواطن من خلال مبدأ توفر الجدوى الاقتصادية، فإن كانت الجدوى موجودة فسيتم توفير الخدمة وإن لم تكن فالعذر لهذه الجهات أمام المواطن, وبافتراض صحة هذا المبدأ فهل يعني أن إيصال المياه إلى بيوتنا وشق الطرق بين المدن عبر الصحراء أو عبر الجبال وتقديم الخدمات الصحية وخدمات المرور والخدمات البلدية وغيرها سيحددها مدى توفر الجدوى الاقتصادية من عدمها؟
أمر غريب فعلاً، فلا وزارة النقل بدأت في تنفيذ ما تعترف به منذ أكثر من 8 سنوات بأن هناك حاجة حقيقية للشروع في خط حديدي بين الرياض ومكة وجدة، ولا وزارة المالية وافقت الخطوط السعودية في رأيها بتوفير طائرات بالمئات لتغطي الحاجة, ولا الطيران المدني استفاد من القرارات التي اتخذها منذ سنوات بسياسة فتح المطارات الإقليمية والداخلية على مصاريعها أمام الحركة الدولية, أما الحركة الداخلية فما زالت تبحث عن حلول, ولا ننسى أن طموحنا كان في نهاية السبعينيات أن نصل إلى 80 طائرة لأسطول السعودية والآن وصلنا بعد 40 سنة إلى طموح أن نزيد الأسطول بعدد 40 أو خمسين طائرة فقط على أسطولنا الحالي (أي أن الطموح بالأعداد الفردية وغيرنا كان صفراً ووصل طموحه إلى مئات!!).
ثلاث إضاءات
1 - بالأمس استبشر أهل الجوف وقبلهم نجران وجيزان والقصيم والأحساء وتبوك والطائف وأبها وغيرها بأن المواطن والمقيم يستطيع السفر من عندهم إلى دبي والدوحة ومصر ومانيلا وإندونيسيا وبلاد الواق الواق وبأسعار زهيدة إلى حد ما ويتم ذلك بكل سهولة, أما السفر إلى المدينة والرياض وجيزان ونجران والطائف وجدة والأحساء وينبع والجوف وتبوك لقضاء إجازة سياحية أو عائلية أو غيرها فهذه ليست مهمة في الوقت الحاضر.
2 - أهمية الدور الرئيس لوزارة التخطيط في هذا الموضوع الهام.
3 - مليارات تصرفها الخطوط السعودية في مشاريع إستراتيجية ائتمنتها الدولة عليها بل وسمحت لها بتحويل الشركة من شركة تخدم المسافر فقط إلى شركة استثمارية تخدم أهدافها الجديدة من خلال شركات عقار، تدريب، تموين, صيانة, تدريب وغيرها, فهل هي ليست بثقة في أن تعطيها الدولة الحق في شراء وتوفير الطائرات بالمئات وليس بالعشرات وتوجهها بتشغيلها من الداخل للداخل ومن الداخل للخارج أو عبر محطة داخلية أخرى.