أوهام الناس
ما يؤثر على الناس لا يعدو أن يكون مادياً أو نفسياً، وتتعدد في ذلك المؤثرات والنوازع، غير أن الإنسان يظل هو الإنسان المكوَّن من ذلك الخليط العجيب من البنية الجسدية، والمشاعر النفسية، ومن مشاعره النفسية تلك الأوهام التي ترسّخت عبر آلاف السنين، من خلال تراكم الموروث الذي ما زال الإنسان يسير في درجات متفاوتة في ركابه.
وأرسل الله سبحانه وتعالى رسله وأنبياءه لعبادته أولاً، ولتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة أو المُبالغ فيها، ومنع تلك الضارة ببني البشر، وحتى الحيوان والأشجار والزروع والممتلكات، ودعا إلى تهذيب النفوس بترسيخ الإيمان الصادق النقي.
مع كل ذلك فإن الإنسان كثيراً ما يعود إلى موروثه القديم، ومن ذلك اعتقاده غير الصحيح في قدرات الجن والسحر والعين وصحة تفسير الأحلام، والتي جاء الإسلام ليصحح مفهومها، لكن البعض إن لم يكن الكثير في مجتمعنا والمجتمع العربي بشكل عام يربط الكثير فيما يصيبه بتلك العجائب الأربع، التي أصبح يؤمن بقدرتها العجيبة، والفائقة، والقادرة على ما لا يقدر عليه العلم والعقل.
فقد تجاوزت هذه القدرات آثار الفيروسات والبكتيريا والآلات والطائرات والصواريخ، وأصبح لها أثر يتغنى به القوم في مجالسهم، ويتذاكرونه أكثر مما يتذاكرون وردهم.
من أعاجيب خرافة أثر العين التي سمعتها مؤخراً أن رجلاً حباه الله عيناً خارقة، جعلت إحدى الطائرات التي قدمت إلى قريتهم لأخذ إحدى العينات تقف في جوف السماء، لأن أحدهم قد رماها بعينه العجيبة، فأوقف تلك الطائرة الجسيمة، وهو متكئ على وسادته ضاحكاً لعلمه المسبق بأنها لن تبرح مكانها طالما أنه قد رماها بعينه، وأن قدرتها على الطيران مرتبطة بنفثة من نفثاته البسيطة، وعموماً فتقول تلك الرواية، أو الأحجية إن الطائرة عادت وأنزلت ما حملته، فنفث عليها فحلّقت بسلام وأمان في جوف السماء.
وآخر, قيل لي إنه يملك استراحة بها بعض الأغنام، ولأخيه مثلها، ولديه مع أخيه تلك القدرات الخارقة، فمر على مزرعته فإذا (بسخلتين) قد ماتتا فسأل الحارس إن كان قدم إليه زائر، فأجابه بأن أخاه قد دخل الاستراحة وذهب قبل قليل، فحمل نفسه وذهب وصاحبه إلى مزرعة أخيه ونظر نظرة سحرية جعلت ثلاثاً من (سخال) أخيه تقفز في الهواء لتعود صرعى كأنهن أعجاز نخل خاوية.
لا أفهم كيف يصدق المرء ذلك، لكنه موروث رسخ في الذهن ولن يغادره أبداً، وأما الجن فحدِّث ولا حرج، فكل من به مرض صرع، أو حالة نفسية غير سوية ففي الغالب يحيلها إلى فعل الجن، ولا بد من ضرب المريض لعل (الجنية) تخرج منه.. وإلا سوف يتوعدها أولئك المعالجون بالويل والثبور وعظائم الأمور.
والسحر، وما أدراك ما السحر، فإن أحبّ رجلاً امرأة غير زوجته وتزوجها وأخذت بلبه، فالأغلب يعزي ذلك إلى استخدامها للسحر، واستعانتها بالسحرة ذوي القدرات العجيبة.
أما من أحب زوجته حباً جماً، وتعلَّق بها تعلُّق العقد بالرقبة، فلا بد أنها قد سحرته وربطته بحبائلها، وأصبح خاتماً في يدها.
إنه الوهم و لا غير ذلك، وكأن الإنسان ليس له مشاعر تجاه زوجته، أو سيدة أخرى قد يقع في غرامها فيحمله ذلك الغرام إلى الزواج بها، لا سيما إذا كان فيها من الصفات ما لم يجده في زوجته الأولى.
أما تفسير الأحلام، فسوقها رائجة هذا الأيام على القنوات الفضائية، والمفسرون فاقوا في عددهم عدد السحرة وأصحاب العيون الخارقة، وما كان من أي امرئ يريد شيئاً إلا أن يغفو قليلاً ثم يُوهم نفسه أنه قد حلم بحلم جميل، ويسأل ذلك المفسر العجيب فيعطيه ما يريد.
أوهام تراكمت عبر السنين، وظلت في العقول، وآمن بها الكثر وستظل كذلك إلى حين، طالما أن إنساناً قد أودعَ عقله جانباً ليعتمد على موروثه الثقافي البعيد عن الدين الإسلامي الصحيح.
جعلنا الله وإياكم في عافية، وكفانا شر الاعتقاد الخاطئ.
