«تِفرِق كثير..» وشم في ألسنة «كثير»...كلما تحرّكت عضلة ألسنتهم تعالى الصوت يرددها..: « تفرق كثير»..
ولأن الناس يسيرٌ عليها ارتجال الكلام بالدارجة العامة، جاءت العبارة بين قوسين..!
الناس أيضاً ليسوا مهمشين، لذا كلما ركزوا تماماً في أنفسهم تفكيرَهم، جعلوا أنفسَهم بين قوسين، لأهمية الحالة لهذه الأنفس عندهم..!!
والناس لو تتبعت مسارها، وتفكرت في أقوالها، وتلمست منها مرادها، وكشفت عن بواطنها مضامينها، لوجدت أنهم يريدون الحب، والسلام، يطمعون في الهدوء، والانسيابية لكل لحظة تمر بهم، وهم يملأونها بهذا الغثاء المتفشي.. لكنهم يتفاوتون في نيل مرادهم..، وفي الأساليب التي يعبّرون بها عنه..
لماذا «تفرق كثير» أحوالهم اليومية في سلوكهم، ومواقفهم، وتفاعلهم، ومنجزهم اليومي من عملهم العفوي، والمبرمج، في بيوتهم، وشوارعهم، ومواقع عملهم، وبين أحوالهم حين يجلسون لشاشات الحاسوب، ويلجون فضاءات التعبير، تلك التي أخذتهم من أنفسهم، وزجت بهم خارج نطاق أرض تقف فيها أجسادهم، ومحيط تتماوج فيه أنفاسهم..؟!
حتى غدوا يقتاتون في موضوعات مكررة، ويعيشون قلقاً مزمناً..
هؤلاء الساخطون على الناس، أو على كل شيء، الذين فيهم الحالمون، والناقدون، واللائجون في السياسة، وفي المذاهب الفكرية، والدينية، والفكرية، والذين يركنون عند مناجم العلماء، والفقهاء، والحكماء، وكذلك الموسيقى، والغناء، فيغرفون ما يروق، وما يقابل شيئاً في نفوسهم فينقلون، وأغلبهم تحديداً، «مع الخيل» في مضامير الأحداث، والأخبار يركضون، لا هم لهم إلا ترديد ما يقال، وتبهير ما يلتقطون كشياطين السموات، لا يمحصون، ولا يتأكّدون...
أهذا أيضاً نتائج المفارقة..؟
لماذا «تفرق كثير» ما بين سواد الناس في يومهم، ومعاشهم، وبينهم هناك في مدى انطلاقهم؟..،
أيعيش أولئك بوجهين، وبصوتين، ..؟!
أو هو ذا الوجه الحقيقي لهم وظهر، ولا «تفرق كثير «..ولا قليلاً...؟!
وتنحل الأقواس عنهم..؟!
أولئك السواد الأغلب من الناس، تقابلهم ثلل من الواضحين، حيث إن هناك من له وجه واحد، وصوت واحد، همُّه الأعظم الإنسان في أبعاد فضائل لم ينهلها، وقيم لم يمثلها، وحياة خلاَّقة لم يحققها..!
هذا النفر تجده في واقعه على الحال ذاته في فضائه..، يغرف بوعي، ويدلق بأريحية، ويسمو عن الغبار..؟!..
إن عبَّر فعن فكر، وعلم، وإن نقد فعن حجة، وفهم، وإن اختار فلمتعة فكرية لا رمية فيها، ولا قوس لها..، إذا مرَّ بالسفَّه تجاوز، وإن رأى بقرة مريضة، حية أو ميتة لا يغزها بسكين..!
فالحياة بالبشر لا تخلو من الفروق التي فيهم، ولا الفوارق بينهم، ولا المفارقات منهم..، وكل ما بينهم « يِفْرِقْ كثير»...!!
هكذا جُبل الإنسان..، وهكذا هي فوارق ما رزقه الله من الهيئة، والخلق، والعقل، والعافية، والمدارك، والقلب، والعلم، والأدب، ومعها أقدار الرزق، والمعاش..!...
فكلٌ «ميسرٌ لما خُلق له.»..!
ويبقى السلوك للإنسان، يوسم بجميله، أو قبيحة..!