تسود حالة من الاحتقان القصوى في صفوف قوات الأمن بمختلف انتماءاتها جراء العملية الإرهابيَّة الأخيرة التي راح ضحيتها أربعة أشخاص ثلاثة منهم يعملون في سلك الأمن على يدي مجموعة مسلحة قال عنها الناطق الرسمي باسم وزارة الداخليَّة: إن أغلب عناصرها جزائريون وفق تصريحات أحد الناجين من المجزرة التي جدّت بمحافظة جندوبة (150 شمال غرب العاصمة تونس) ليلة الأحد الماضي.
وأجمع كل المحللين الأمنيين والسياسيين على أن الإرهاب الذي كان يستهدف رجالات الأمن غير من مخططاته حيث بات يوجِّه نيرانه إلى المدنيين العزل بعد أن اتخذ من المدن والقرى والأحياء السكنية فضاء لتحركاته ومسرحًا لعملياته الدنيئة غير عابئ بصيحات الاستنكار التي ما فتئ التونسيون يطلقونها في اتجاه القائمين على شؤون الأمن الوطني.
من جهته، أفاد الخبير الإستراتيجي في قضايا الإرهاب علي زاوي أن الأحداث الإرهابيَّة التي جدت فجر الأحد، وأسفرت عن وقوع 4 شهداء و4 جرحى، من تدبير وتخطيط إرهابيين جزائريين وفق تقديره.
واعتمد زاوي في تحليله على اعتبار أن الجماعات الإرهابيَّة انتهجت أسلوب الحواجز المزيفة بشكل كبير خلال العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر، وما زالت تمارسها بقايا الإرهاب حاليًّا في بعض مناطق الجزائر الشمالية، موضحًا أن اللجوء إلى هذا الأسلوب الإجرامي يعبِّر عن معاناة العناصر الإرهابيَّة من الحصار ومن غياب المؤونة والدعم حسب تعبيره.
وفسر الخبير في القضايا الإرهابيَّة علي زاوي أن أحداث محافظة جندوبة الأخيرة تعبّر عن تحوَّل وصفه بالخطير في مخططات المجموعات الإرهابيَّة يتمثَّل في الهجوم بدل الدفاع، كما يشير إلى انتشار الخلايا النائمة وجماعات الإسناد في مختلف المناطق حسب تحليله.
وحذَّر المتحدث من مغبة وقوع القوات الأمنيَّة في فخ الانفجارات التي تكون متبوعة دائمًا بالحواجز المزيفة وذلك عبر تفخيخ الجثث والسيَّارات، مشيرًا إلى أن مشاركة إرهابيين جزائريين في عملية جندوبة تؤكد قيادة العناصر الإرهابيَّة الجزائرية للجماعات الإرهابيَّة في تونس، كما تعبِّر عن وقوع تنظيم أنصار الشريعة المحظور تحت قبضة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على حد قوله. أما الخبير الأمني نور الدين النيفر، فقد حذّر من أن المجموعات الإرهابيَّة انتقلت إلى مرحلة جديدة تتأسّس على ترويع المواطنين ومواجهة قوات الأمن والجيش مباشرة وعبر التمويه.
ورجّح نور الدين النيفر، تكرار السيناريو الجزائري في تونس عبر الالتجاء لذبح المواطنين وسبي النساء واغتصابهن، مما ضاعف مخاوف التونسيين وجعلهم يعيشون في رعب متواصل بالليل والنهار.
وبغض النظر عن القراءات المختلفة لآخر العمليات الإرهابيَّة، حيث يُعدُّ البعض أن الهجوم الجبان على المواطنين وعلى الأمنيين في نفس الوقت، ليس سوى ردة فعل العناصر الإرهابيَّة على مقتل «زملاء لهم» مؤخرًا على يد رجال الشرطة منذ أكثر من عشرة أيام بالعاصمة، يَرَى البعض من الخبراء الأمنيين أن ما يسمى بـ»عملية محافظة جندوبة»، إنما يندرج في إطار مخطط معد مسبقًا من طرف الجماعات المسلحة لإرباك الأمن العام وإدخال الفوضى وزرع الفتنة بين أفراد المجتمع الواحد بغاية الوصول إلى تحقيق ما عزموا عليه من إقامة للإمارة الإسلاميَّة التي يريدونها بديلاً للدولة المدنية القائمة.
وكانت النقابات الأمنيَّة المُتعدِّدة وجهت سهام نقدها اللاذع إلى القائمين على وزارة الداخليَّة على خلفية عدم استماعهم إلى النصائح والدعوات المتكررة التي اطلقوها لمزيد تضييق الخناق على المجموعات المسلحة التي تجرأت واغتالت مواطنًا بريئًا لا ذنب له سوى مروره بمسرح الجريمة لحظة وقوعها.
وتطالب النقابات اليوم بتغيير بدلات أعوان الشرطة بعد ثبوت إرتداء العناصر المسلحة لملابس الأمن والجيش في محاولة للتمويه، حتَّى لا تتكرر مثل هذه العمليات النكراء التي استغل فيها الإرهابيون ما غنموه من بدلات أمنيَّة وعسكرية للتنكر في زي رجال الأمن، ويشدِّدون على ضرورة استبدال المسؤولين الأمنيين الموجودين بآخرين جدد يتمتعون بالجرأة والشجاعة في الحرب على الإرهاب بعد أن تأكَّدت محدودية السياسة العامَّة ضد الإرهابيين. وتجدر الإشارة إلى أن حوالي 200 شخصيَّة سياسيَّة وإعلاميَّة تعيش منذ أشهر تحت الحماية الأمنيَّة المستمرة ليلاً ونهارًا بعد تلقيها تهديدات بالتصفية الجسدية بالرغم من تعرض البعض منها إلى اعتداءات جسدية لم تحل الحماية دون وقوعها، إلا أن أغلب الأسماء التي تتمتع بمرافقة لصيقة تعد أنها في مأمن من الإغتيالات الإرهابيَّة بفضل التحامها بالناس في الفضاءات العامَّة وعدم تسرب الخوف إليها حتَّى بعد تكرر العمليات الإرهابيَّة وتغير هدف المجموعات المسلحة.
وكانت أخبار العملية الإرهابيَّة الأخيرة قد غطّت في نشرات الأنباء على تطوّرات المشهد السياسي المحلي الذي يتميز اليوم بالسباق المحموم نحو الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة حتَّى قبل تحديد موعد تنظيمها نهائيًّا، فيما تنشط الأحزاب السياسيَّة الكبرى داخل الجهات في مسعى لكسب أكبر عدد ممكن من المناصرين الذين قد يضمنوا لها النجاح في المحطة الانتخابية القادمة.