من يملك قرار إعلان الحرب وقرار السلام في أية دولة من دول العالم؟!
هل هو الحاكم؟ أم المواطن؟!
هل قرار الجهاد قرار فردي؟ أم هو قرار دولة يتخذ بروية ودراسة عميقة واجتهاد من قائد الدولة وعلماء الدين؟
لنتصور أن قرار الحرب على مستوى الدول أُسند إلى الشعوب، فماذا يمكن أن يحدث؟!
لابد أن نتخيل ذلك التنوع غير المتناغم من الأفكار والتوجهات والمعتقدات والمواقف ومشاعر الحب والكراهية لدى أطياف متعددة من تلك الشعوب؛ فلو أُطلق الحبل على الغارب لها لدخلت في فوضى مسلحة وحالة احتراب وانتقام وثارات ومشاعر تاريخية مكبوتة لدى بعضها وتحولت الأرض إلى جحيم!
لا أتمنى أن يتشكل هذا الخيال ليرسم الحالة السوداء من الحروب والدمار؛ ولهذا أعود إلى القوانين والأعراف والأنظمة بالنسبة للعالم، وإلى التشريعات والضوابط المستمدة من ديننا الإسلامي لنجدها تحدد بدقة ووضوح مسؤولية من يأمر فيُطاع ومن يصدر قرار الحرب أو السلام؛ أي بالمعنى الفقهي من يأمر بالجهاد ويرفع رايته فيُطاع ويُنفذ أمره؛ حماية للدين وللعرض وللأرض وهو الحاكم؛ لأنه هو المطلع على أسرار وخبايا العلاقات الدولية والمنافع المتبادلة، وهو أيضاً من يعلم كثيراً مما يخفى على العامة مما قد يضر الوطن أو الأمة أو ينفعهما، وهو الأدرى بقدرات جيشه وإمكاناته وقدرته على المواجهة أو خلافها، وهو الأعلم بما يمكن أن يحمي شعبه من أضرار الحرب ودمارها وما يقيم أوده في حالة انقطاع الأرزاق والمعايش؛ فمن يعلم كل هذه التفاصيل الدقيقة العميقة؟ أهو رجل الشارع العادي الذي يتابع عناوين الأخبار؟ وقد لا يدرك كثيراً من الأسرار والمعلومات المخبأة، يقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}.
إن الشاب الطيب ذا العاطفة الدينية النبيلة الجياشة ينفعل انفعالاً شديداً بما يحدث من مآسي الحروب والمظالم وأنواع الاضطهاد على أبناء المسلمين، ويستجيب سريعاً إلى عواطفه ويسلم قياده إلى من يعتقد أنه مأمون الطوية، سليم النية، نبيل المقصد؛ ثم يفاجأ بأن كل جماعة أو حزب تعتقد أنها من تحمل راية الحق وتجاهد في سبيل الله؛ فيرتمي في أحضانها بدوافع إغراء الخطاب العاطفي الديني؛ ولكنه قد يجد نفسه في ساحة الحرب يوجه إلى مقاتلة فريق آخر لا يتفق مع جماعته الجهادية في بعض الأفكار ولا يجد مفراً من الاستجابة، وإن اكتشف حقيقة الخصومات الأيدلوجية بين جماعة وجماعة وفكر في الهروب أو التخفي اتهم بالخيانة أو الردة أو الكفر وحكم عليه بالإعدام!
من يستطيع أن ينقذ الشبان المندفعين من مصير مأساوي كهذا؟ ومن يستطيع معرفة أسرار الدول ودوافع الحروب ومآلاتها؟ أليس هو السياسي صاحب قرار الدولة بإعلان الحرب أو السلام بناء على ما يظهر له من الدوافع أو الموانع؟!
الإشكال أن الشاب المندفع إلى ساحة الحروب التي لم يؤذن له بدخولها ولم ينضو تحت راية معلومة لا يقدم القضية التي ذهب من أجلها خطوة إلى الأمام؛ بل قد يسهم بمزيد من تشتيت الجهد حين يستجيب إلى دوافع الاختلاف مع جماعات أخرى تتنافس على قيادة المعركة أو تتطلع إلى الفوز بتاج الانتصار، ثم هو يجد نفسه بين جماعات متشددة تسقيه من أفكارها التكفيرية كما يحدث في سوريا؛ فيعود إلى بلاده إن كتبت له حياة خارجاً على السوية والاعتدال وطاعة ولي الأمر، ثم هو أيضاً يضع بلاده في حالة توتر قد تتطور إلى نزاع عسكري.
أبعد هذا يمكن أن يكون قرار إعلان الحرب بيد عامة الناس أم بيد «دولة» تتحمل تبعات هذا القرار الخطير إن أعلنته، وتتحمل قرار السلام إن اتخذته وعلى المواطنين جميعاً الالتزام في الحالتين وعدم الخروج عنهما لمصلحة الوطن؟!