أنجزنا الكثير منذ بدء الخطة الخمسية الأولى 1390هـ وبقي الكثير مما لم ننجزه أيضا!
نسير نحن نحو استكمال البنى التحتية في التنمية ببطء؛ فما يستغرق تنفيذه سنة لا ينجز إلا بعد خمس سنين أو عشر وبمواصفات تقل عن النصف عما خطط له، متأخرون نحن في مجالات عدة؛ وإن لم نعترف بأننا متأخرون في تنفيذ ما هو حتمي وضرورة من ضرورات التنمية فلن نتقدم!
الاعتراف بالقصور هو طريق الكمال!
ويبدو أن من أسباب التراخي في متابعة تنفيذ ما كان يجب تنفيذه قبل خمسة وأربعين عاما من خطط التنمية هو الشعور الواهم بالأمن المالي؛ أي الاطمئنان إلى ما تفيض به نعمة البترول «الله يطول عمره!» من وفرة ورفاه تصرف أذهاننا عن التفكير في تصور حالنا لو نضب أو استغنى عنه العالم ببدائل جديدة!
قد يكون المخزون في الأرض من هذا الذهب الأسود كبيرا جدا، وقد يكفي لإمداد عشرة أجيال قادمة؛ ولكننا في أية لحظة من لحظات هذا الزمن الحافل بالمنجزات العلمية والاكتشافات المذهلة قد نفاجأ بأن ثمة بديل طاقة رخيصا وميسورا للطاقة يغني عن البترول؛ إما بالكهرباء أو الشمس، أو البخار، أو الذبذبات، أو غيرها مما يمكن أن يبتكره العقل العلمي المتجدد والعبقري.
إن أي اكتشاف علمي من هذا القبيل في غير صالحنا اقتصاديا؛ لكنه ربما يكون في صالح البشرية؛ بما ستحظى به من سلامة من العوادم الضارة التي تنتج من أثر احتراق المركبات والمحركات والمصانع وغيرها.
كيف سنكون بعد أن تصدمنا حقائق علمية جديدة تعيد ذهبنا الأسود إلى حيث كان مخزونا منذ ملايين السنين في أعماق أرضنا، ويتحدث عنه التاريخ العلمي كمرحلة من مراحل التطور الصناعي والحضاري في تاريخ الإنسان، ثم تجاوزه إلى المرحلة التالية؛ وهي التي أعقبته مباشرة وجاءت بديلا له؛ بالطاقة الكهربائية أو الشمسية أو الذبذبات أو ما يبدعه العقل العبقري البشري الفعال من اكتشافات مذهلة؛ لن تكون أقل مما أنجزه العقل العلمي في وسائط الاتصال الحديثة كالجوال أو الانترنت أو البث الفضائي، ولن تكون أقل مما أنتجه هذا العقل الفعال في مجالات الطيران والرادارات والأسلحة الفتاكة الموجهة عن بعد.
وحين نواجه هذه الحقائق العلمية الصادمة في أية لحظة قادمة ويعود سائلنا الأسود إلى مستقره في أعماق أرضنا مخزونا ليحفظ التوازن الجغرافي للقشرة الأرضية ومساعدا على الحماية من الزلازل بإذن الله؛ كيف سنغدو؟ وكيف سندبر أمورنا ونصرف على أنفسنا وسلعتنا الرئيسة أصبحت خردة وبضاعة كاسدة لا سوق لها؟!
هل سنعود بداة وفلاحين؟ هل سنعود كما كنا من قبل في عهد الآباء والأجداد إلى التمر واللبن؟!
وهل ستظل العمالة الأجنبية على اختلاف تخصصاتها بيننا في ظل موارد مالية ضعيفة؛ سواء من أصحاب الشهادات العلمية العالية كالأطباء في مستشفياتنا أو الدكاترة في جامعاتنا أو التقنيين في مصانعنا، أو من العمالة الخدمية كالسائقين والخادمات وعمال النظافة وغيرهم؟!
كيف سنكون إن لم نوجد بديلا ممتازا يدر عينا ما يقيم أود حياتنا ويمنع عنا الفاقة والفقر؟!
هل سيعود أبناء هذه البلاد بعد الغنى والثروة إلى البحث عن مصادر الرزق في دول صناعية غنية بعيدة أو قريبة ليس البترول أحد مصادر غناها؛ بل الصناعة أو السياحة أو الزراعة أو التجارة وغيرها من مصادر الدخل التي تعيش عليها شعوب في الأرض لم تعرف البترول مصدرا رئيسا للدخل؛ ومع ذلك بنت وأبدعت وأنتجت حضارة؛ كاليابان، وكوريا، والصين، وسنغافورة وماليزيا وغيرها.
إننا قبل أن نصل إلى حقيقة علمية صادمة موجعة بالاستغناء عن البترول؛ لا بد أن نحاسب أنفسنا قبل أن تحاسبنا الأجيال القادمة: ماذا أنجزنا بوجود هذه الثروات المالية الهائلة وماذا لم ننجزه بعد مما هو ضرورة؟!