كنتُ ، ولا زلت أقول بأن الناس تحترم الإنسان ، صاحب المبدأ ، أيا كان توجهه ، ومشكلتنا كانت دوما في أولئك المتذاكين ، والذين يضعون رجلا هنا ، ورجلا هناك ، حيال أي قضية ، وفي كل موقف ، ويأتي على رأس هؤلاء عقدة الخوارج ، والذين لهم صوت مع الدولة ، وصوت مع الإرهابيين ، فلا هم الذين أعلنوا ولاءهم ، وتخلوا عن الإرهابيين ، ولا هم الذين أعلنوا مواقفهم الداعمة للإرهاب بكل وضوح ، وهؤلاء ، ومن على شاكلتهم أشد خطرا على الوطن ، وأهله ممن أعلن موقفه ، وقد تذكرت هؤلاء العقدة ، وذلك بعد صدور الأمر الملكي الأخير ، بخصوص العقوبات الرادعة لكل من يدعم ، أو يتعاطف مع التيارات المتطرفة .!
في تقديري - وبعد الأمر الملكي التاريخي الأخير - أننا سنعاني من عدة فئات ، يأتي في مقدمتها الشخص «نصف الحركي» ، وهذا هو الوصف الدقيق للشخص الذي يجلس مع الوطنيين ، ويتفاعل معهم ، بحسبه وطنيا صادقا ، ثم اذا خلا إلى الحركيين ، قال لهم إني معكم ، في المنشط ، والمكره ، وهذا الصنف معروف بأنه بلا لون ، ولا طعم ، ولا رائحة ، فليس له موقف ، ولا رأي ، أو رؤية ، فهو مع جليسه فيما يقول ، ومن العجائب أن الواحد من هؤلاء يستمر في هذا السلوك عقودا طويلة ، دون أن يدري أحد عن ماهية توجهاته الحقيقية ، وهم يعتبرون هذا ذكاءا خارقا ، أو ان شئت استذهانا ، ولا يستعيبون هذا السلوك النشاز ، بل إنهم يفخرون به ، ويدرسونه لمحبيهم ، ويورثونه لأبنائهم ، وأحفادهم !.
أما ثاني الفئات ، فهو السطحي «المجامل» ، وهذا لا يفرق بين المتدين الحقيقي ، وبين المتأسلم ، أي الذي لا يخدم الدين ، بل يستخدمه لمصالحة الشخصية ، كما هي الأحزاب الدينية المسيسة ، وعلى رأسها التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ، فبالنسبة لهذه الفئة الساذجة ، فكل من تمظهر شكليا ، فهو شيخ صادق ، ومحل ثقة ، ولا يميز هؤلاء بين الحركي ، وغير الحركي ، وكم من مرة سئلت هذا السؤال الساذج : «وش معنى حركي»، وهناك فئة ثالثة تعرف الحركيين جيدا ، وتدرك خطورتهم على أمن الوطن ، وهؤلاء يجاملون الحركيين، من أجل تحقيق مصالح ذاتية ، تكون في الغالب «مصالح تجارية»، وهؤلاء هم أخطر الفئات ، ويكون الخطر أعظم ، عندما يتسنمون مناصب قيادية ، يفترض أن يعملوا من خلالها على الإسهام في ترسيخ الوحدة الوطنية ، وتعزيز الأمن الوطني ، وأظن أن معظم الاختراقات التي تمت ، فيما مضى ، في مجالات التعليم ، والإعلام ، والوعظ ، والإرشاد تمت من خلال هذه الفئة التي لم تقدر الأمانة التي أوكلت إليها ، ولكن دعونا نتفاءل أن الأمر الملكي الأخير سيتعامل مع هذه الفئات بحزم ، وحسم ، وإنا لمنتظرون.