لا شك أن كبار السن يحتاجون إلى وقفات إنسانية حانية، ولمسات تنظيمية مفيدة، تمس كل تفاصيل حياتهم، وشؤونهم اليومية، على نحو ضرورة وقوف الأسرة بالكامل مع المسن والعناية به، إضافة إلى توفير الكثير من الخدمات لهؤلاء من أجل أن تساعدهم على مزيد من الألفة مع من حولهم، والتعايش مع تحولات الحياة، وأهم هذه الخدمات أو الاحتياجات هي ما له علاقة برعايتهم الطبية، وتذليل كل المصاعب من أجل أن يحصلوا على حقوقهم في آخر محطات العمر حينما يدخلون نفق الشيخوخة، وينتظرون من المجتمع وقفات معبرة.
وحينما نتأمل حال الرعاية الطبية لهذه الفئة في البلاد النامية والفقيرة أو قليلة التنظيم نجدها غير متكاملة البناء، وتفتقر بعضها إلى التخطيط السليم، فقد لا تُقارن بأي بلد من البلدان المتقدمة كأمريكا أو الاتحاد الأوربي أو اليابان، وبالرغم من ذلك فإن هناك من يسعى إلى تقديم العناية المناسبة لكبار السن، ممن بذلوا الكثير من جهدهم وسني عمرهم.
وأبرز هذه المعاناة التي يعيشها كبار السن وتترك علامات فارقة في حزنهم وألمهم هي «الأمراض النفسية» المحتملة التي تتفاوت نسبها من شخص لآخر.. فكلما سعى المجتمع بوجه عام والأسرة بشكل خاص إلى رعاية ذويهم في نهايات العمر رعاية مناسبة تعكس رد الجميل وصفاء الروح التي تستشعر أن هذه الفئة التي باتت على حواف اليأس تحتاج إلى مزيد من الرعاية لإخراجهم من قنوط محتمل، وصور قاتمة عن مآل العمر إلى سكون وانزواء.
وبما أن الرعاية لهذه الفئة مهمة وتنطلق في الأساس من المتابعة المنزلية بالتعاون مع «المراكز الصحة الأولية» في الحي وهي المدعوة في هذا المجال لأن تعد ملفاً مناسباً للمتقاعد وكبير السن، ولو من قبيل الاهتمام المعنوي، ومن ثم متابعته صحياً من خلال التعريف بأنواع الغذاء المناسب، والتشجيع على الرياضة والحركة، ومن ثم تفاصيل العلاج والدواء وتسهيل مهام الفحص والتشخيص.
وأمر المتابعة لكبار السن والمسنين من قِبل بعض «المراكز الصحة الأولية» قد يكون غير ممكن، لأن الكثير من هذه المراكز تعاني من ندرة بعض المرافق والكوادر الطبية والإدارية، إلا أن عليها واجباً تهتم فيهم، وتقديم احتياجاته الطبية والصحية من خلال بيئة صحية متكاملة وأنيقة، وأن يتم الرفع - قدر المستطاع - من كفاءة هذه المراكز الصحية، من أجل أن تسهم مع المستشفيات في تقديم خدمات طبية أفضل.
والأهم من هذا وذاك هو إبعاد المسنين قدر المستطاع عن سبل الترويج لبعض المستحضرات الطبية التجارية وما يصاحبها من إعلانات غير حقيقية على نحو: «علاجات ضد الشيخوخة» أو «وصفات سحرية لكبار السن» التي غزت الأسواق بشكل غير منظم، وينم عن رغبة نهمة في البحث عن مال قد يدخره المسن، أو ما يند من عاطفة من حوله حينما يقدمون له كل ما يريد، إلا أن جُلَّ هذه الوصفات التجارية تهدف - للأسف - إلى التكسب على حساب هؤلاء الذين يعذرون حينما يسعون إلى تحصين ذواتهم - قدر المستطاع - من خريف العمر الذي تلوح طوالعه في مشيبهم.
وإضافة إلى أن الشيخوخة تحتاج إلى علاج وأدوية ورعاية ووقاية إلا أنها تحتاج إلى دعم معنوي مهم، يتمثّل في بناء قاعدة معلومات اجتماعية تسهم بالتعريف بهؤلاء، وبجهودهم وعطائهم في أي مجال من المجالات التي خدموا فيها الوطن والمواطنين على مدى عقود من العمل لا سيما وأن المرحلة السابقة كانت شاقة، لأنها تعد التأسيس والبناء، فمن باب أولى أن نقول عنهم إنهم روادٌ لتلك المرحلة، ويستحقون كل شكر وتحية ومتابعة.