إن كانت ثمة قضية مؤرقة تضاهي قضية العمالة السائبة، والعمالة غير النظامية، وتبعاتها من إخلال أمني، ونهب لمقدرات الوطن وثرواته، هي قضية التوظيف الوهمي، الذي تمارسه الشركات والمؤسسات كي تحقق نسب السعودة والتوطين المطلوبة، فتقوم بتسجيل أسماء مواطنين، برواتب محددة متواضعة، دون أن يكون لهم وجودٌ فعلي في الشركات والمؤسسات، بمعنى أن الهدف من أسمائهم هو الظهور بمظهر مؤسسة وطنية تحقق اشتراطات توطين الوظائف، وإحلال السعوديين محل الأجانب.
ففي عكاظ كشفت جهتان حكوميتان تورُّط أكثر من 30 مدرسة أهلية بتوظيف ألفي معلم وهمي مسجلين فيها، يتقاضون رواتب شهرية تقدر بألفي ريال فقط، فيما تستلم المدارس ألفين وخمسمائة ريال من الموارد البشرية! بمعنى أن هذه المدارس لا تخسر شيئاً إطلاقاً، لأنها تستلم الدعم من الدولة، عبر صندوق الموارد البشرية، بينما المعلم يعتقد أنه كسبَ مبلغاً بلا جهد يقابله، وهو في الواقع لا يتقاضى سوى راتب سائق تقريباً، بينما هو يستحق أضعاف هذا الراتب، وهو بلا شك، مثله مثل هذه المدارس، يستحق العقوبة، وهو موضع ازدراء لأنه يأخذ مالاً لا يستحقه، ولا يعمل أو يقدم جهداً لقاء هذا المال، فمن ناحية دينية لا يجوز أخذ مال دونما عمل يقابله، وكذلك من نواحٍ إنسانية، فالمبادىء والقيم تحرم مثل هذا الفعل.
لا يخفى على أحد ما تعيشه البلاد خلال السنوات الثلاث من تنظيف وتنظيم، صحيح أن أثرها لم يتضح تماماً، وأن الفساد جذوره ضاربة، لكننا مقبلون على أنظمة وقوانين قد تجعل حياتنا أفضل، كإبعاد من لا يحملون إقامة شرعية في مدننا وقرانا، ومراقبة الأسواق والأسعار، ومحاسبة من لا يلتزم بالأنظمة، ووضع مواصفات عالمية لأجهزة التكييف، لترشيد استهلاك الطاقة، وتنظيف الأسواق من الأجهزة غير المطابقة، وهكذا من خطوات متميزة، لكن الأفعال المشينة التي ترتكبها الشركات في التحايل على أنظمة السعودة فيها، عبر التوظيف الوهمي، هو أمر يجب إيقافه فوراً، ومعاقبة الشركات والمؤسسات، من مدارس ومستشفيات وغيرها، ممن تتحايل على أنظمة التوظيف، وتقوم بتشغيل سعوديين لا وجود لهم، وهذه الأدوار يجب أن تقودها وزارة العمل، بالتنسيق مع الجهات الأخرى، لأن التوظيف الوهمي أحد أوجه الفساد التي يجب محاربتها والقضاء عليها، وهي تنخر في اقتصاد الوطن، وتضعف أهم روافده، وهي الكفاءات البشرية، التي يتم تعطيلها تماماً، عبر وضعها على الرف!
كم هو محزن أن تجد هؤلاء الشباب بكل ما يمتلكونه من طاقات وكفاءات يجلسون في منازلهم، يسهرون ليلاً، وينامون نهاراً، منتظرين فتاتاً شهرياً لا يستحق الانتظار، تمارسه شركات غير مسؤولة، فما أقسى أن تجد ألفي معلم مسجلة أسماؤهم في قوائم التأمينات الاجتماعية كمعلمين، بينما هم يغطون في سبات عميق، وما أقسى أن نعرف أن الآلاف من الشباب والشابات غيرهم مدرجة أسماؤهم تزويراً كموظفين في شركات متنوعة الأنشطة، دون أن تتخذ ضدهم، وضد هذه الشركات، رقابة دقيقة وعقوبات صارمة.