قبل يومين استمعت في برنامج إذاعي إلى حلقة عن التعصب الرياضي، وما تبعه من تشنج أعمى، تسبب في تشويه الكثير من علاقات الأقارب والأصدقاء، استضاف فيه المذيع أحد رموز التعصب الإعلامي الرياضي، واستغربت كثيراً حديثه عن اتهامه مواقع التواصل الاجتماعي، وما خلفته من تعصب مقيت، وكأنما التعصب لم يأتِ إلا من هذه المواقع، أو كأنه لم يكن موجوداً إلا بوجود هذه المواقع منذ بضع سنوات!
ولعل هذا الشحن الجماهيري بين أنصار فريقين متنافسين، خاصة بين جماهير النصر والهلال، لم يكن شيئاً طارئاً، ولم يحدث مع نشوء وسائل التواصل الاجتماعي من تويتر والفيس بوك وغيرهما، ولم يحدث مع نشوء الإنترنت حتى، بل كان حاضراً وبقوة مع الصحافة الورقية، التي كانت سبباً مباشراً في تأجيج الجماهير، وقد ساندت ولعقود طويلة أحد الفريقين، وأسهمت في تشويه صورة الآخر طوال هذه العقود، فما الذي حدث بعد ذلك، وفي ظل صمت إعلاميي الفريق الآخر وجماهيره، الذين لا يمتلكون وسيلة إعلامية على مدى أربعين عاماً؟ حدث هذا التحوُّل الكبير، الذي جلب معه المزيد من التعصب والتشنج، والذي بتنا نشاهده على مضض في البرامج التلفزيونية الرياضية، وذلك بانتشار الإنترنت، الذي بدأت تنتشر معه المواقع الرياضية الإلكترونية، وأصبح المشجع في المدرج الشمالي، أو المدرج الجنوبي، يكتب ما يتلفظ به في المدرجات من كلمات وألفاظ نابية، واسودت صحف الشاشات الإلكترونية وشاشات الهواتف المحمولة، بل تبعتها الشاشات الفضية أيضاً في برامج رياضية هابطة!
من يقنعني منكم بأن برنامجاً رياضياً مثل «أكشن يا دوري» يستحق المتابعة والاحترام؟ وهو مجرد صراع وتلاسن مخجل بين كائنات غريبة، يفترض بنا أن نصدق بأنها لأقلام رياضية؟ وإذا كانت فعلاً هي أقلام رياضية، تكتب، هي وآباؤها، منذ عشرات السنين، في الشأن الرياضي، فهل علينا أن نسأل، بعد ذلك، عن أسباب التعصب الرياضي؟
فالتعصب لا يختلف عن التمذهب، كلاهما يقود إلى نبذ الآخر وتشويهه، والانتقاص منه مقابل ادعاء الكمال، وهو ما يحدث الآن لدى غالبية الجماهير الرياضية، بينما الطبيعي أن تستمتع هذه الجماهير باللعبة، وأن تؤازر فريقها بكل رقي، دون الإساءة إلى الآخرين!
أكتب هذه الزاوية ونحن ننتظر الليلة مباراة نهائي كأس ولي العهد بين فريقين عريقين، وغريمين قويين، أحدهما لم يغب موسماً عن منصات الذهب وحصد البطولات، والآخر غاب طويلاً، وحينما عاد من جديد عاد بهيبة البطل الذي لا يُهزم، تدعمه جماهير خلاقة ومبدعة، لفتت أنظار العالم بلوحاتها الجميلة على المدرجات، فهما فريقان لا تكتمل فتنة الكرة السعودية وجمالها إلا بحضورهما معاً، منذ زمن ريفيلينو وماجد، حتى نيفيز والسهلاوي، فجمالهما كفريقين، والاستمتاع بأدائهما، وأداء جماهيرهما الحاشدة في درة الملاعب، يجب ألا يشوهه المتعصبون من الإعلاميين، بل على برامج الرياضة أن تقدم لنا وجبة رياضية راقية وأنيقة قبل المباراة وبعدها، بعيداً عن التعصب والتخندق بشكل أحمق، فالرياضة تهذيب للروح، لا تشويه لها!