وعد الشمال .. ذكريات وأفكار

سعدت كثيراً بالدعوة الكريمة لحضور حفل تدشين العقود الانشائية لمدينة «وعد الشمال» باستثمارات تجاوزت 36 مليار ريال وبرعاية كريمة من سمو امير منطقة الحدود الشمالية.

ونحن في الطائرة الخاصة المنطلقة من الرياض متجه الى اقصى نقطة في شمال غرب المملكة - محافظة طريف-اعادتني ذاكرتي- ان لم تخني- الى الماضي:

فأتذكر خبراً نُشر في صحيفة الجزيرة قبل اكثر من عشرين عاماً، بأن الدكتور طارق الفارس أنجز بحثاً عن الفوسفات في شمال المملكة - قرية حزم الجلاميد: وهي قرية صغيرة نتوقف فيها للراحة والاستزادة بالوقود في ذهابنا وايابنا من العاصمة- واخُتير بحثه كأفضل بحث من ابحاث تجاوز عددها المئة قدمت في مؤتمر علمي في كندا، كنت في ذاك الوقت ادرس في السنة الاولى في كلية الهندسة بجامعة الملك سعود، وقد انتابني الفضول لابحث عن ذلك الرجل الذي حقق ذلك البحث العالمي حتى وجدته لاشبع فضولي في رؤيته، والذي بانجازه-كما اتوقع - فتح الباب على مصراعيه لابحاث علمية عميقة عن تلك المنطقة ومواردها الكامنة الاخرى وما تبعها حتى تحقق وعد مشاريع الخير «وعد الشمال».

ايضا، محافظة طريف كان لها تاريخ مجيد ومرتكز للتنمية والاستثمار في الماضي، حيث انشئت في عام 1945م في عهد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه- كاحدى محطات خط التابلاين الرئيسية الذي ينقل النفط الخام من المنطقة الشرقية الى لبنان، وبفضل الله ثم بسياسة المؤسس الحكيمة وتوجيهه بانشاء تلك المحطة اصبحت طريف جاذبة للمواطنين لتوفر الخدمات الحديثة انذاك كالقطاعات الصحية والتعليمة والخدماتية والترفيهية وفيها مطار دولي مرتبط ببيروت وعمان ودمشق برحلات مباشرة.

وفي عهد ملك الخير والعدل والتنمية، اصبحت الجامعات والكليات منتشرة في كل مدينة ومحافظة في ارجاء الوطن، بجانب مشاريع التنمية المستدامة. فقبل عدة اشهر تم وضع حجر الاساس وتدشين عدة مشاريع تنموية في منطقة جازان كمصفاة جازان التي كلفت شركة ارامكو السعودية بانجازها والعمل جار على قدم وساق في انجاز مدينة جازان الاقتصادية الضخمة في اقصى جنوب المملكة، واليوم في اقصى شمال المملكة تدشن عقود المشاريع التنفيذية الضخمة لمدينة وعد الخير لاهل الشمال التي كلفت بها شركة معادن.

في تلك الرحلة خطرت على بالي بعض الافكار اتمنى ان تؤخذ بعين الاعتبار، منها:

1- بجانب الخط الحديدي (سكة الحديد) الحالي الذي يربط هذه المدينة وحزم الجلاميد بميناء راس الخير على الخليج العربي، اقترح ان ينشأ خط حديدي اخر يربط هذه المدينة بالبحر الاحمر لتكون منتجاتها قريبة لأسواق الدول الغربية وأفريقيا ليقلل تكلفة النقل.

2- ان لايكتفى بمعهد للتدريب الفني المرتبط بجامعة ميسوري الذي يوفر الايدي الفنية العاملة ومركز للابحاث مستقل -كما ذكر في الحفل- انما تبادر جامعة الحدود بانشاء كلية تعليم عال (كلية متخصصة في التعدين) في هذه المدينة تختص بأعمال ومنتجات هذه المدينة لتوفر المهندسين والباحثين الاكفاء وربطها بمدرسة كولورادو للتعدين التي تعتبر واحدة من أفضل جامعات العالم في تخصصات علوم الأرض وهندسة البترول، فلنتذكر الدكتور الفارس -كما ذكرت في اول المقال- الذي هو استاذ بقسم الهندسة الكيميائية بجامعة الملك سعود.

3- ابراز علمائنا وباحثينا السعوديين الذين اسهموا في مشاريع وطنية نوعية كهذا المشروع الوطني العالمي اعلاميا.

4- ربط محافظة طريف بمحافظة طبرجل القريبة بطريق سريع لوجود الكثافة السكانية العالية والتي أغلبها شباب لتكتمل منظومة الطرق بين مدن ومحافظات الشمال الرئيسية.. وتحقيقا لاهداف التنمية المتوازنة.

5- اهمية الحاق مدينة وعد الشمال بالهيئة الملكية للجبيل وينبع بحكم تميزها وكذلك ادارتها لمنطقة راس الخير للصناعات التعدينية وليعزز التكامل بين المنتجات التعدينية والبتروكيماوية بعد انتهاء المرحلة الاولى من تنفيذ المدينة في نهاية عام 2016م.

6- فتح مكتب لهيئة السياحة او مركز معلومات عن مدينة وعد الشمال في محافظة طريف لاطلاع المواطنين والطلاب على هذه المشاريع الجبارة وزيارتها في مراحل تنفيذها ليكونوا شاهدين على هذه الانجازات التنموية الوطنية الطموحة.

ختاماً، قيادتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز- حفظها الله- وسياستها الحكيمة الملموسة في توزيع وتنويع المشاريع التنموية ترتكز على خطط التنمية واستغلال الميزة النسبية والموارد الطبيعية لكل منطقة لضمان نجاح واستمرارية واستدامة تلك المشاريع، وتحقق التنمية المتوازنة وتنمية المناطق التي لم تحصل على نصيبها من مشاريع التنمية في الوقت الماضي، إضافة لنظرتها الثاقبة في العمل الفعلي في تنويع مصادر الدخل الوطني وإيجاد مصادر دخل أخرى رديفة للنفط وعدم الاعتماد الكلي عليه، وتوفير درجة أكبر من الاستقرار الاقتصادي للمملكة.

اليوم، نقف شهودا على وفائه بوعده لاهل الشمال بالخير عندما قام بزيارته للشمال قبل عدة سنوات، نراه يتحقق على ارض الواقع وذلك بتوقيع العقود الانشائية وبدء الاعمال التنفيذية لتلك المدينة الواعدة «وعد الشمال» فأقواله يتبعها بالافعال، نسأل الله ان يطيل بعمره ويلبسه ثوب الصحة والعافية، إنه سميع مجيب.