لا أؤمن بالحظ. لا أعتقد أن هناك شيئا اسمه حظ بمعناه المعروف، فبعض الناس - خاصة في المجتمعات غير المسلمة - يعتقدون هذا، وينسبون الكثير من الأحداث للحظ وخاصة الأشياء الغريبة أو غير المتوقعة، لكن نحن نؤمن بالقضاء والقدر وندرك أنه ليس ثمّة شيء اسمه الحظ بهذا المعنى المعروف، حتى لو عرفنا عن قصة فرين سيلاك!
من هذا الرجل؟ إنه مدرّس موسيقى كرواتي. تنظر إليه فترى رجلاً قصيراً بديناً ليس فيه ما يلفت الانتباه، لكن لو عرفت قصته لقفز حاجباك دهشةً، فقصة هذا الرجل غريبة.. بل هي فريدة، ولو كان «الحظ» فكرة صحيحة لما عرفنا هل هو حَسَن الحظ أم سيئ الحظ. لنأخذ مثالاً، ففي عام 1962م ركب فرين قطاراً وانحرف القطار عن مساره قاصداً نهراً متجمداً وقُتِلَ 17 من الركاب، غير أن صاحبنا نجا ولم يأته إلا كسْر في الذراع وخدوش ورضوض بسيطة. بعدها بِسنة كان فرين على طائرة وأثناء طيرانها قلع الهواء أحد أبواب الطائرة مما سحب الركاب خارجها - وكان منهم فرين - وسقطوا جميعاً إلى حتفهم... ما عدا فرين! لقد صادف أن هناك حزمة كبيرة من التبن تحته فأنقذته من موتٍ محقق، ومكث بضعة أيام في المستشفى بإصاباتٍ بسيطة وخرج. بعدها بثلاث سنين كان راكباً حافلة وصار مصيرها كمصير القطار فانحرفت وغاصت في النهر ومات 4 من الركاب، لكن المدهش أن فرين نجا!
يبدو أن فرين صار يخشى وسائل المواصلات الجماعية بعد تجاربه السيئة معها فاشترى سيارة، ولما كان يقودها ذات مرة اشتعلت فيها النيران، فلما رأى هذا فتح الباب وقفز وأطلق ساقيه للريح، وما هي إلا ثوانٍ حتى وصلت النار لخزان الوقود فانفجرت، و- مرة أخرى - نجا فرين! اشترى سيارة أخرى وهذه سارت بلا مشاكل، حتى بدأ فرين يشم رائحة مألوفة وإذا بالنيران تضطرم داخل المحرك ودخلت عليه من خلال فتحات التهوية فجأة وأحرقت شعره، فأوقفها وفر منها. يظْهَر الآن أن فرين يئس من كل وسائل المواصلات، فصار يستخدم قدميه للتنقل، لكن حتى هنا لم يَسلَم، فلما كان يمشي في العاصمة زغرب في يوم من الأيام أتت حافلة وصدمته، و.... نجا من جديد! لم يُصَب الشيخ فرين إلا بإصابات صغيرة، ولعله فكر فقال: بما أن حظي سيئ حتى وأنا على قدميّ فلْأستخدم المواصلات من جديد. مشت الأمور على ما يحب حتى كان في سيارته بعد سنة من الحادثة الأخيرة وكان على طريقٍ جبلي وعر، وبينما كان مُركّزاً على القيادة في التضاريس القاسية التفتَ وإذا بشاحنة مسرعة فأسرع يبتعد عنها وصدم الحاجز الحديدي وسقطت سيارته من الجبل، فهل مات؟ هل أتت نهاية هذا الشيخ أخيراً بهذه الطريقة التي تتناسب مع حياته؟ لا! لقد سقط على شجرة، وتملّص من سيارته وتعلق بالشجرة وسقطت السيارة أسفل الشجرة على بُعد 100 متر وانفجرت! شيء مذهل!
إنها حياة فريدة لا نعلم لها نظيراً، مجموعة من المصائب والأهوال التي مر بها رجل واحد، مصادفات لا تتفقّ في العادة بهذه الكثرة وهذا التسلسل، لكن في النهاية حصل شيء طيب لفرين، ففي عام 2003م فاز باليانصيب الكرواتي وصار يملك - بين يوم وليلة - ما يوازي مليون دولار أمريكي!
إنها نهاية مناسبة لهذه القصة الغريبة...قصة رجل - لو كان هناك حظ- هو إما أسوأ الناس حظاً أو أحسنهم حظاً!