هذي عنيزة مانبيعة بالزهيد
لافرّعن البيض نحمي جالها
دائماً ما نسمع من محبي ومتذوّقي الشعر العامي جمله (المعنى ببطن الشاعر) والحقيقة أن هذه المقولة كثيراً ما تتردد عندما يكون المعنى غامضاً أو أن يكون له أكثر من تفسير عندها تختلف الرؤى وكل يدلي حسب رؤيته ويبقى القول الفصل لدى الشاعر لأنه هو المعني بالتفسير الصحيح وإن كنت أرى أنه من الأفضل أن يكون المعنى في رأس الشاعر أو في قلبه وليس في بطنه. والغموض سمة من سمات الشعراء الكبار خصوصاً في ساحة المحاورة فقد يكون بينهما شفرة لا يستطيع فك رموزها سوى الطرفين المتحاورين وبعض الراسخين في هذا الفن.
أما البيت أعلاه فهو من قصيدة حربية للشاعر والفارس علي بن رشيد الخياط - رحمه الله- (توفي 1297هـ) قالها إبان احتدام المعارك وذروة الصراع السياسي في مناطق نجد قبل أن يتم توحيد هذه البلاد على يد باني وحدتها واستقرارها الملك عبد العزيز طيَّب الله ثراه. والخياط علم ورمز من رموز مدينة (عنيزة) وأحد أبطالها المشهورين والذي ما زال اسمه يرن في آذان محبي الفن الشعبي وعاشقي التاريخ ومع هذا لم نشاهد ما يخلد اسم هذا البطل في مدينته التي عشقها وأحبها ودافع عن ترابها ولو بشارع يحمل اسمه أسوة بغيره من الرموز التاريخية حتى الشارع الذي يمر بمزرعته التي ما زالت قائمة وسط البلد - مزرعة الخياط - لم يطلق على هذا البطل الذي رسم أروع الصور في الشجاعة والبذل والعطاء.
نعود لما نحن بصدده حول البيت المذكور أعلاه و الذي هو عنوان لهذا الموضوع، حيث لفت انتباهي الوقوف عند معنى كلمة (البيض) في البيت لدى البعض من المهتمين بالشعر العامي، حيث دار حوار وجدل حول هذا المعنى، فهناك من يرى أن الشاعر قصد (النساء) بينما يرى آخرون أن المقصود هو (السيوف)، والحقيقة أنني لم أكن راغباً في الدخول في هذا الجدل لأسباب منها أن الموضوع لا يستحق كل هذا البحث والتقصي الأمر الآخر أنني أكاد أجزم أن لا أحد يستطيع أن يفتي في ذلك سوى الشاعر نفسه الذي رحل عن هذه الدنيا منذ زمن بعيد. إلا أن البعض قد ألح بأن أدلي بدلوي في هذا الشأن حينها قلت بأن الكل على صواب لأن المعنى ينطبق على الاثنين معاً وليس هناك من يستطيع أن يفصل في هذا الشأن ولكن من وجهة نظر خاصة أرى أن الشاعر قصد (النساء) وهذا الرأي ليس قاطعاً ولكنه اجتهاد مبني على قراءات لنماذج كثيرة مماثلة تحكي وقائع وأحداث رافقت تلك النماذج في تلك الحقبة. وكنت أظن أن الموضوع كان نقاشاً عابراً وانتهى في حينه إلا أنني فوجئت بعد ذلك بفترة أن الموضوع قد أثير من جديد وذلك من خلال (تويتر)، حيث كان أحد الأصدقاء طرفاً في النقاش وطلب رأيي في ذلك وقد أعدت عليه ما سبق أن قلته من قبل حيال الموضوع وأنني رجحت أن النساء هو ما قصده الشاعر ومن خلال حديثنا طرحت بعض النماذج التي أرى أنها ترجح هذا الرأي وفي الجزء الثاني سوف استعرض بعضا من تلك النماذج التي اعتمدت عليها في ذلك.